الطيران الوطني .. الاستثمار المر

[عاشق ترابها]

الطيران الوطني .. الاستثمار المر
صالح الشهوان
* إذا كانت الخطوط السعودية التي عمرها من عمر الوطن وتحظى بالدعمين المادي والفني من قبل الدولة وبأسعار قياسية التخفيض في الوقود تصل حتى 90 في المائة ولها الأولوية القصوى في تجواب الفضاء الوطني والإقلاع أو الهبوط في مدارج مطاراتنا الداخلية فضلاً عن خدماتها، كما أن لها الأولوية ذاتها في تسيير رحلاتها لمختلف الأجواء الإقليمية أو الدولية .. علاوة على أنها تتمتع بامتياز استثمار إركاب موظفي الدولة لحسابها الخاص،.. ومع ذلك كله ظلت تجابه عجزاً مستمراً منذ سنوات طوال عن تلبية الطلب على خدماتها، فالزحام على مكاتبها واللهاث والصراخ لتدبير مقعد عليها بالبركة أو بالواسطة أو (بشختك بختك) ظلت سمة صارخة لا هي برئت منه ولا الناس برؤوا. ورغم هذا الإقبال الكثيف عليها والدعم والجهد الدؤوب لمقابلة الطلب، إلا أنها عانت ولا تزال خسائر متتالية، لأسباب عديدة حاول تقريرها الأخير الذي ناقشه مجلس الشورى لاحقاً علاجه باقتراح رفع أسعار تذاكرها .. (هذه واحدة).

* وإذا كان (مشروع نظام الطيران المدني) قد صدر فيه مرسوم ملكي رقم: (م/44 التاريخ 18/7/1426هـ) يقضي بالموافقة على قرار مجلس الوزراء رقم (185) وتاريخ 17/7/1426هـ، حيث حددت المادة السادسة عشرة اختصاصات الهيئة ونصت الفقرة (6) على: (إصدار تراخيص وتصاريح إجازات التشغيل اللازمة لمؤسسات وشركات الطيران الوطنية والأجنبية لتشغيل خطوطها الجوية المنتظمة أو رحلاتها غير المنتظمة ومراقبة تطبيق أحكامها)، كما نصت المادة (7) على: (إصدار التراخيص اللازمة لإنشاء وتشغيل شركات ووكالات الشحن الجوي والخدمات الأرضية للطائرات في المملكة ومراقبة أحكامها وتوقيع الجزاءات المقررة نظاماً بعد اعتمادها من جهة الاختصاص). وهذا يعني بصريح العبارة أن هيئة الطيران المدني تمتلك منذ سنتين صلاحيات نظامية مطلقة بفتح الأجواء وفك الاختناق على خدمات الطيران الوطني وغيره وتخفيف الضغط على الخطوط السعودية وتيسير التنقل داخلياً وخارجياً على المواطنين والمقيمين .. (وهذه ثانية).

* وإذا كان قد تم التصريح لشركات طيران وطنية من القطاع الخاص لتقديم هذه الخدمة مثل "سما" و"ناس" و"الخيالة" مع تحجيم حرية حركتها وأثقالها بشروط غير عادلة، وبالتالي فإن التجربة الاستثمارية في هذا المجال، جعلت منه استثماراً مراً، كما كان مراً للخطوط السعودية بما ظلت تتكبده من خسائر رغم الدعم والإركاب الحكومي الحصري .. (وهذه ثالثة).

* وإذا كانت الهيئة العامة للاستثمار، العازفة على وتر تعزيز البيئة الاستثمارية وجعلها جاذبة للاستثمارات الأجنبية والمحلية لم تحرك ساكناً وهي ترى مجالا استثمارياً حساساً لصيقاً بالوطن يترنح من مآزق لمآزق وكان الأجدى حراسة هذا الاستثمار ورعايته (بتذليل معوقاته)، بقطاعيه الحكومي والخاص، لا أن يترك لعوامل التعرية .. فها هنا وفي مثله تبرهن الهيئة على جدارتها، ليس بعدد التراخيص لاستثمارات شكلية لمن تقاطروا لفتح ورش أو دكاكين وحوانيت يزاحمون بها أبناء البلد ولا يقدمون إضافة نوعية للاقتصاد الوطني، وإنما ترحل أموالهم من حيث جاءت ساعة أخذ التراخيص ليتبعها ما يتم تحويشه من استثماراتهم الطفيلية . فأين دور الهيئة العامة للاستثمار التي لولا مشاريع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الاستراتيجية (المدن الاقتصادية) لما حسبناها موجودة .. (وهذه رابعة).

ما سبق من (إذا) – يعني أن طيراننا الوطني يحتاج إلى رؤية واضحة وإجرائية فيما يتعلق بـ (استراتيجية التخصيص) فالخطوط السعودية المرشحة للتخصيص منذ سنوات مازالت خارجه، و"سما" و"ناس" المصرح لهما باتتا مشلولتين بحكم عوائق نظامية وفنية وإجرائية انعكست في النهاية إلى مأزق مالي يهددهما بالتوقف عن الخدمة خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يلي:

- الخطوط الوطنية مقارنة بـ "السعودية" تدفع قيمة أسعار الوقود كاملة فيما تحصل "السعودية" على (90 في المائة) إعانة.

- أسطول الطائرات المستخدم لدى هذه الشركات هو من نوع (إيرباص) غير المثالي لبعض المطارات الداخلية ما يحتم أخذ عدد من الركاب أقل من الطاقة الاستيعابية للطائرة نظراً لقصر بعض المدرجات وهذا بحد ذاته يشكل خسارة لهذه الشركات.

- الخطوط الوطنية تدفع مبالغ كبيرة مقابل استخدام المطارات الداخلية كما تتكبد تكلفة عالية لقبول واعتماد الطيارين الجدد، علاوة على طول مدة إجراءات القبول وتعقيدها.

ومع ذلك، ورغم أن "ناس" مثلاً لا تسير سوى (300) رحلة أسبوعياً إلى (12) جهة داخلية وسبع إقليمية إلا أنها نقلت (1.5) مليون مسافر منذ بدء التشغيل (2007) فماذا عساه يكون الحال حين لا تقوى هذه الشركة على نقل مثل هذا العدد، خصوصاً والشركة الأخرى "سما" في وضع حرج .. وطبعاً ما لم يتم تدارك الأمر فلسوف نعود القهقرى لما بعد المربع الأول!!

وبعد .. لا يمثل هذا الطرح مرافعة لمصلحة عافية نقلنا الجوي فحسب، ولكنه يمثل أيضاً نداءً بضرورة تحرك الأجهزة المعنية في الدولة، وفي مقدمتها هيئة الطيران المدني والهيئة العامة للاستثمار إلى إنقاذ نقلنا الجوي من محنة تخبطه في استثماره المر .. ليس إكراماً لعيون تعظيم الأرباح وهذا حق ومطلوب وأساسي وإنما إكراماً لوطن لا نريد لمواطنيه ومقيميه أن يتقاطروا على دول الجوار حيث يتلقفهم موظفو شركات الطيران هناك بالترحاب ونكون بذلك قد ضربنا استثمارنا في عقر دارنا في مقتل!!

الإقتصادية