التريث وطول البال طريق المكاسب بأذن الله

سليمان السكران

للجادين فقط: الاستثمار أولى من المضاربة

التاريخ: 12/10/2001 م

يرى الكثير من الناس أن الاستثمار الناجح أمر لا يقدر على أحكامه وإدارته غير أولي النهى الباصرين في شؤونه والذين يبذلون جهوداً حثيثة للسعي في تحقيق نتائج ايجابية من جراء صنع قراراتهم تلك. ويقرن ذلك بعضهم بشيء من الحظ. ولعل في هذه المقولة شيئاً من الصحة فلا شيء يمكن أن يكون دون توفيق من الله سبحانه وتعالى. إلا أنه بالنظر إلى ما أفرزته دراسات العلوم المالية وما تقصت حقيقته الدراسات الميدانية في هذا المجال تختلف شيئاً عن هذا النحو من الفكر. فالاستثمار قرار خياري يجب العمل على بذل جهد نحو جمع معلومات وافرة عنه إلا أن الكثير من المستثمرين خصوصاً الصغار منهم والمتوسطي الحجم يرى أن الدخول في مشاريع استثمارية والخروج منها بأسرع وقت ممكن هو احدى سمات القرار السليم خصوصاً إذا كانت الأرباح منظورة المستقبل وشبه مؤكدة.
ولا يقف المجال عند هذا الحد بل يتعداه للخروج بشكل أسرع من الاستثمار إذا كانت هناك خسائر مع الأخذ في الاعتبار فرضيتنا بأن المستثمر لا يتحمل الخسائر لوقت معقول. ولذا تجد ضحايا القرارات الاستثمارية الفاشلة كثير لتجر ويلاتها وازرها على حياة ذلك المستثمر. والمعقول في القرارات الاستثمارية من واقع الدراسات الميدانية هو التريث وطول البال. فالمحفظة الاستثمارية وتنويعها وترتيبها أشبه ما تكون بتخطيط حديقة صغيرة مليئة بالورود ينبغي المحافظة عليها من التغيرات الطبيعية من برد ومطر وحر وغيره. ولعل في مثال المستثمرة الأمريكية التي تدعى (ان شيير) درساً يجدر التطرق إلى معرفته للحذو مثله.
فهذه السيدة استثمرت منذ خمسين عاماً مبلغ خمسة آلاف دولار والذي يمثل راتبها التقاعدي كخطة لتقاعدها في سوق الأسهم الأمريكية ليبلغ رصيدها ثروة وصلت إلى 22مليون دولار (والتي صرفت على أية حال في وجوه البر بمنظورها) بعدما توفيت عن عمر يناهز المائة سنة وسنة واحدة منذ سبع سنوات. وتتلخص قصة استثمار هذه السيدة في أسلوبها الاستثماري بثلاث خطوات: الأولى شراؤها لأسهم أمريكية في شركات كبيرة ومستقرة (أو ما تسمى بالبلو شب) وثانياً ندرة بيعها لأي منها. وثالث هذه الخطة هي إعادة استثمار الأرباح الموزعة. ومع أن الأفق الاستثماري لها كان طويلاً تعرضت خلاله استثماراتها لهزات كبيرة في الخمسينات، وكذا في السبعينات حين سقط وول ستريت ما يقارب 74% ونجت من الاثنين الأسود الذي ضرب السوق في عام 1987م إلا أنها صمدت في وجه كل هذه التيارات، فإعادة استثمار الأرباح الموزعة على ما يبدو كان هو المحرك الرئيس نحو بناء ثروتها. ويؤكد ذلك ما نشر مؤخراً عن دراسة أجريت على أساس أن مائة جنيه استرليني لو استثمرت في عام 1899م أي منذ أكثر من قرن وأعيد استثمار جميع الأرباح الموزعة منها لوصلت إلى مليون ومائتي ألف جنيه الآن. في حين أنه لو لم يعاد استثمار المبالغ الموزعة لوصلت إلى 12320جنيهاً فقط!!! وإن كانت الدراسة هذه تبدو وكأنها غير ذات علاقة خصوصاً أنها لمبلغ استثمر لأكثر من قرن إلا أن المهم هو أن الكثير يهمل قضية إعادة الاستثمار من الأرباح الموزعة. والأمثلة كثيرة من الأسواق المالية في تحقيق عائدات خيالية بسبب المكوث طويلاً في الاستثمار وعدم التسرع في جني الأرباح وإعادة الاستثمار. وفي السوق السعودية مثلاً خصوصاً سوق الأسهم وجد أنه من الممكن أن يصل العائد إلى حوالي 30% ولكن إذا كان المستثمر قادراً على المكوث لمدة تصل إلى عشر سنين أما الذين يرغبون في بناء خطة مالية تقاعدية فالدراسات تشير إلى أن المدة اللازمة للاستثمار تتراوح بين 30و 40سنة يفترض أن تكون بداياتها حين تكون الأسعار السوقية بشكل عام معقولة، أو بل الأفضل حين تكون متدنية مثل أيامنا هذه خصوصاً في الأسواق العالمية. ولذا فالاستثمار هو الخيار الأمثل للجانبين في تحقيق نتائج ايجابية بينما تنحصر فرص المضاربة وهي الدخول والخروج بسرعة لمجموعة أصغر تجيد التوقيت لتلك الفرص ويكثر فيها الفشل، والله من وراء القصد.

* رئيس قسم المالية والاقتصاد ـ