المشاريع المتأخرة والمتعثرة.. يا مجلس الوزراء

المشاريع المتأخرة والمتعثرة.. يا مجلس الوزراء

التاريخ: 7/19/2002 م

مجلس الوزراء لو حدث أن طلب تقريراً إحصائياً عن عدد المشاريع المتأخرة والمتعثرة أوالتي تحت الدراسة والترسية في مختلف مناطق المملكة لوقف على أرقام (مخيفة) على مستقبل التنمية، ولاكتشف مدى التراجع الكبير في أداء الجهاز الحكومي خصوصاً ان المشاريع المتأخرة والمتعثرة تم الارتباط لها مالياً ومدرجة في الميزانيات، أي ليس هناك عوائق مالية، بل العوائق إجرائية تنفيذية يدعمها ترهل الأنظمة، ويدعمها ضعف مبادرات التنفيذيين وعدم تفرغ القياديين الإداريين.
والمؤسف حقاً ان نسبة كبيرة من المشاريع المتأخرة والمتعثرة تجد أن حجم الإنجاز فيها تجاوز مرحلة متقدمة من التنفيذ، ولم يبق إلا 15أو 20% .. وقد يكون هذا المشروع مستشفى أو مدرسة أو طريقاً، الناسُ في أمس الحاجة إليه، وأيضاً تجد أن الدولة تستأجر مبنى بمبلغ مرتفع وتستمر في الاستئجار ولا يتحقق الإحلال للمباني الذي يفترض أن يوفر الموارد ويصرفها في احتياجات التشغيل والصيانة.
وحتى المشاريع التي تأتي تحت خانة الدراسة والترسية، فإن نوعها وعددها يكشفان عن تعاظم ترهل الجهاز الحكومي وتحوله إلى عائق للتنمية، فالأجهزة الحكومية تُمضي السنوات في دراسة مشاريعها، وكأنها تريد اكتشاف العجلة من جديد، وكأن المملكة لم تمر بطفرات إنشاء المشاريع، وتستغرب أن لا تكون لدى الجهاز الحكومي الخبرة والدراية رغم مضي سنوات عديدة على نهضة نشر الإعمار!
وإذا تجاوزت المشروعات مرحلة الدراسة فإنها تدخل في معضلة أخرى، وهي معضلة الترسية، فهذه أيضاً إشكالية كبيرة بين الأجهزة الحكومية وبين وزارة المالية، فالكثير من التنفيذيين الآن يلقون باللوم على وزارة المالية في تأخر ترسية المشاريع وعدم اعتماد المبالغ الكافية لترسيتها، ووزارة المالية عادة ترتبط مالياً بما يوازي مراحل التنفيذ ولكن بعض الأجهزة ترى أن هذا الارتباط غير كاف ومن ثم يؤخرون الترسية ،وتمضي السنوات وحالة التجاذب هذه قائمة، ولو كان لدى هذه الأجهزة البصيرة لأخذت بمبدأ التدرج في التنفيذ ولما احتجنا إلى سنوات لأجل ترسية المشاريع واعتمادها.
والمشاريع المتعثرة والمتأخرة ساهم في ارتفاع عددها في السنوات الأخيرة، تدهور قطاع المقاولات في المملكة، فهذا القطاع يواجه مشاكل أساسية؛ فمشاريع الحكومة لم يعد إنجازها في الغالب يخضع للبرنامج الزمني المتفق عليه لكثرة إخفاقات المقاولين، وهذا الإخفاق يتحمل مسئوليته الطرفان، فالمقاولون من جانبهم أصبحوا يتنافسون بطريقة تدمرهم جميعاً عبر التفاوت الكبير في تقديم العروض، والأجهزة الحكومية تعرف أوضاع المقاولين ولكن لا تحرك ساكناً.
فمثلاً هناك الكثير من المقاولين الذين تعثروا في مشاريع عديدة، وبالرغم من ذلك تجدهم يستمرون في التقدم للمشاريع الحكومية، ورغم سجلهم الحافل بالتعثر وقلة الإنجاز إلا ان المشاريع يتم ترسيتها عليهم، فقط، لأن العروض التي يقدمونها هي الأقل، والأخذ بمبدأ (العرض الأقل) إشكالية حقيقية تقودنا إلى الخلف وتراكم مشاكلنا، ولا تطور قطاع المقاولات، رغم أنها إشكالية أصبحت من موروثات الماضي لدى الكثير من المجتمعات إلا لدينا ، لذا فنحن بدون شك نحتاج إلى قرار حاسم ينقذنا من مستنقع مبدأ العطاء الأقل في المناقصات الحكومية، فهذا المبدأ لم يعد أحد مقتنعاً به ويكشف عن (عقم) نظام المناقصات الحكومية!
إن علينا مسئولية وطنية مشتركة تجاه تدعيم الاستقرار في مجتمعنا، وتحقيق هذه الغاية ليس (معجزة) أو يحتاج إلى (عصا سحرية)، فلدينا الكثير من المعطيات التي تدعم استقرارنا، فالكثير من المشاريع التي تم اعتمادها في ميزانيات سابقة لو انتهت وتم استلامها لحققت الكثير لحياة الناس، وهذه خطوة مهمة لتكريس الاستقرار الاجتماعي، ولعل مجلس الوزراء يطلب من (مجالس المناطق) في المملكة إعداد تقارير عاجلة عن المشاريع المتعثرة والمتأخرة ليقف على الوضع القائم، وسوف يكتشف المجلس أن الكثير من التنفيذيين مازالوا تحت تأثير حقبة سادت وهي عدم توفر الاعتمادات المالية التي يبدو أنها أصبحت (شماعة) دائمة يعلق عليها التنفيذيون قلة مبادراتهم وفشل تفكيرهم وتراجع إرادتهم!!