البيع على المكشوف شرطي الاسهم

[صندوق التوازن]

بسم الله الرحمن الرحيم



عند تنظير الأزمة المالية الحالية يرمي كثيرون باللائمة على عمليات البيع على المكشوف في انهيار الأسواق المالية وعلى رأسها انهيار بنك ليمان براذرز.

وفي رأيي أن هذا التنظير قاصر في الاستدلال مخطئ في النتيجة يرمي إلى صرف النظر عن المجرم الحقيقي، الذي سرق ونهب وكذب واختلس، إلى تسليط الأضواء على الشرطي الذي قبض على المجرم ففضحه وأبعده وشره عن المجتمع الاقتصادي المدني. البيع على المكشوف لم يكن قط سببا في السرقات واختلاس الأموال في الشركات والأسواق المالية، بل البيع على المكشوف هو من أوقف مسلسل انتفاخ الأسعار وقام بفضح ضعف الشركات التي كانت تتلاعب بنتائجها المالية عن طريق طبخ كتبها المحاسبية، وأقرب مثال لنا هو شركة جنرال إليكترك للبلاستيك التي اشترتها "سابك".

البيع على المكشوف هو أداة شرعية مالية تساعد على حفظ توازن السوق إذا وضعت لها الضوابط المناسبة، وما كان لسوق الأسهم السعودية أن تصل إلى 20 ألف نقطة لو كان البيع على المكشوف متاحا فيها آنذاك. سوق الأسهم السعودية هي سوق ناشئة وبدائية لا تحتوي على مئات أدوات الهندسة المالية المتوافرة في السوق الأمريكية، التي يسبب بعضها انتفاخا للأسعار، بينما يسبب بعضها الآخر تنسيما لها، ما يسبب حركة شرائية عالية وحيوية تحيي السوق وتجذب التجار والمستثمرين مع حفظ توازن السوق. وعودة إلى سوقنا السعودية، ففي تلك الفترة لم يكن متوافرا في السوق السعودية إلا التسهيلات بالشراء على الهامش وهي أداة مالية تعمل على انتفاخ السوق بلا لجام ولا خطام, ولم يكن هناك أداة مقابلة لها كالبيع على المكشوف تعمل على زيادة مستوى مخاطرة الشراء بالهامش، وبالتالي تحد تقلل منها.

وللإيضاح، فلو افترضنا أن أسهم "سابك" قد ارتفعت فلامست 200 ريال سعودي، فسيشد هذا الارتفاع السعري انتباه زيد، وهو المضارب العتيق في سوق الأسهم السعودية. لم ير زيد مبررا لهذا الارتفاع، بل رأى فيه فرصة تعوضه عن خسارته التي خسرها بالأمس. قدم زيد عرضا من خلال شركة الثروة المالية للوساطة، التي يمتلك زيد محفظة استثمارية لديها، لشراء ألف سهم لشركة سابك من صندوق التأمينات الاجتماعية الذي يحتفظ بأسهم "سابك" كمستثمر طويل الأجل. ساومت شركة ثروة المالية صندوق التأمينات الاجتماعية على سعر الأسهم وأغلقت الصفقة بشراء الأسهم لزيد بقيمة "ألف سهم لشركة سابك تحل بعد أسبوع وألف ريال سعودي حالة فورا" ووضعت شركة ثروة الأسهم في محفظة زيد. (وكان شرط صندوق التأمينات في هذا البيع استثناء ما قد توزعه "سابك" من أرباح أو أسهم منحة خلال هذا الأسبوع من صفقة البيع، وهذا شرط صحيح وجائز شرعا).


باع زيد أسهم "سابك" بقيمة 200 ريال للسهم، ما أدى إلى زيادة عرض أسهم شركة سابك في سوق الأسهم، وهنا يأتي دور البيع على المكشوف كبوليس يضبط سوق الأسهم من الفوضى السعرية، فإن كان ارتفاع سهم "سابك" عائدا إلى معلومات جديدة تفيد بنمو الشركة وارتفاع أرباحها أو إلى تصحيح سعرها العادل فلن ينخفض سعر سهم "سابك" بسبب البيع على المكشوف الذي قام به زيد وأمثاله، ولكنه في المقابل سيضبط السوق من أن يرفع سعر سهم "سابك" فوق قيمته العادلة. أما إن كان ارتفاع سعر سهم "سابك" بسبب مضاربات وإشاعات وشراء بالهامش، فسينخفض سعر السهم فورا من حين أن يدخل زيد وأمثاله بمضارباتهم بالبيع على المكشوف. إذن فالبيع على المكشوف سيعطي السوق السعودية سيولة أسهم وعمقا كافيا لمنع تلاعب المضاربين بأسعار الأسهم وذلك بإيجاد مضاربين جدد بذخيرة جديدة هي الأسهم التي تمتلكها صناديق الاستثمار طويل الأجل وإدخالها إلى سوق الأسهم السعودية بيعا وشراء دون أن تفقد صناديق الاستثمار طويل الأجل موقفها كمستثمر طويل الأجل، فكأن عمليات البيع على المكشوف قوات محايدة ترابط على الحدود إذا اعتدى أحد الفريقين على الآخر تدخلت بسلاحها الخاص لا بسلاح أحد الفريقين وأعادت التوازن، ولا يخلو ذلك من جرحى وقتلى من الجهات الثلاث، ولكن الحدود قد حفظت، وحفظ الحدود هو الهدف الاستراتيجي الأسمى، والحدود في هذا المثال هو السوق.

وعودة إلى زيد، فقد كان بيعه على المكشوف لألف سهم من شركة سابك موفقا وكان تحليله بعدم وجود مبرر لارتفاع أسهم "سابك" صحيحا، فعاد سعر السهم إلى قيمته العادلة بسبب تزايد البيع على المكشوف فقام بشراء ألف سهم من شركة سابك بـ 190 ريالا ليسدد ما في ذمته لصندوق التأمينات الاجتماعية محققا بذلك ربحا يقارب التسعة آلاف ريال مقابل عمله البوليسي وتحمله المخاطر، بينما ربح صندوق التأمينات ألف ريال فقط لتجنبه المخاطرة.

البيع على المكشوف بهذه الصورة بيع جائز شرعا بالاتفاق, كما فصلت ذلك في الأسبوع الماضي، ولكن الإضافة هنا هو الدور البوليسي المحمود الذي قام به زيد، الذي استحق عليه الفوز بتسعة آلاف ريال، فزيد لا يستطيع الاستمرار في موقعه كمضارب إلا وهو له خبرة ودراية بسوق الأسهم، (والمضارب الناجح هو الذي يكون صافي ربحه صفرا في المدى الطويل). وزيد هنا بخبرته وعلمه قد رأى ارتفاعا لا مبرر له لسهم "سابك" فاستجلب أسهما لم تكن موجودة ضمن عرض السوق، فزاد بذلك العرض حتى انخفض سعر السهم وتلاشت الفقاعة السعرية. ثم كان على زيد إعادة الشراء مرة أخرى ليسدد قيمة الأسهم التي باعها، فهو بذلك قد عاد وسحب الأسهم التي ضخها في السوق، فحفظ سعر سهم "سابك" من نزوله عن سعره العادل، فزيد في الواقع قد ضبط توازن السوق.

ولا يلتبس الفرق بين البيع على الهامش والبيع على المكشوف في التأثير في أسعار الأسهم. البيع على الهامش يشتري ويبيع من أسهم موجودة ومتاحة للتداول في سوق الأسهم، بينما البيع على المكشوف يدخل أسهما لم تكن متاحة للتداول ثم يعيد إخراجها من السوق. إذن فالبيع على الهامش هو المشاغب، بينما البيع على المكشوف هو الضابط.

ولعلي أستطيع تلخيص فوائد البيع على المكشوف في ست نقاط، فهو أولا يزيد من سيولة الأسهم لوجود كميات كبيرة في السوق، فيصبح من الممكن شراؤها وبيعها من غير تأثير في السعر وذلك لتقارب السعر بين الشراء والبيع. ومن المنافع إظهار أي تلاعب من الشركات في حساباتها وأكبر مثال حديث على ذلك هو سقوط شركة إنران عام 2001، فهم، أي هؤلاء المضاربون، يشتمون رائحة طبخ الحسابات مبكرا فيشنون هجومهم على هذه الشركات الفاسدة بشراء الأسهم على المكشوف وبيعها بكثافة حتى تسقط الشركة الفاسدة وتنكشف أمام هذه الهجمات.

وأما إن أخطأ المضاربون حساباتهم، فستنهار هجماتهم أمام الصلابة المالية لهذه الشركات وسيدفع المضاربون ثمن هذه المراهنة. إذن فآلية البيع على المكشوف تعمل كآلية سوق العملات الدولي في كشف زيادة ضخ وطبع الأوراق النقدية من قبل الحكومات. ومن منافع البيع على المكشوف منع الفقعات السعرية. ومن منافعه زيادة فاعلية السوق عن طريق سرعة تعديل أسعار الأسهم لقيمتها العادلة. ومن المنافع تحريك عمل الشركات المالية وشركات الوساطة. ومن المنافع تقديم دخل إضافي للمستثمر الطويل الأجل، ما يحفزه على الاحتفاظ بموقعه كمستثمر طويل الأجل وهو الموقف الأنفع والأصلح للاقتصاد العام. وبشكل عام فالبيع على المكشوف أداة فاعلة لخفض الأسعار لا لرفعها.


وعلى كل حال فكما أن ضرر الشرطة سيكون أكبر من نفعها، إن لم تضبط بقوانين صارمة تمنعها من التعدي، فكذلك البيع على المكشوف "فالظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم". ومن أهم ذلك منع إغراق السوق بأسهم حُصل عليها عن طريق البيع على المكشوف، ما سيسبب انهيار سعر السهم فتتضرر الشركة ويتضرر كذلك المشتري بالهامش، خاصة دون المستثمر طويل الأجل. ومن أنجع الوسائل لمنع إغراق السوق هو منع شراء الأسهم بالبيع على المكشوف عن طريق الهامش. وكذلك وضع ترتيب لبيع الأسهم المشتراة بالمكشوف، بحيث يباع العرض الأول، وإن كان الأغلى، قبل العرض الثاني ولو كان سعر العرض الثاني أقل وهو المطبق الآن في أمريكا. وكذلك منع البيع على المكشوف العاري، وهو كأن يبيع زيد أسهم "سابك" قبل أن يشتريها من صندوق التأمينات وهو محرم شرعا لكونه بيعا باطلا ويأثم صاحبه، والبيع على المكشوف العاري قد منعته أمريكا عام 2005.

قام رئيس هيئة سوق المال الأمريكية عام 2008 وبمشورة من رئيس الاحتياطي الفيدرالي بمنع البيع على المكشوف لمدة ثلاثة أسابيع لنحو 800 شركة مالية كالبنوك ونحوها لحماية أسعار أسهمها من الانهيار المتوقع من هجوم المضاربين المركز على الشركات المالية. هذا القرار ما زالت حتى الآن تدرس آثاره الجانبية التي جعلت من رئيس السوق المالية الأمريكية يتندم عليه, معبرا عنه أنه أسوأ قرار اتخذه طوال فترة رئاسته للسوق الأمريكية. إذا انتشر الشغب في المدينة فأكبر الخطأ منح الإجازات للشرطة.

عندما تختلط الأسباب المباشرة بالأسباب غير المباشرة يسهل التلاعب بمفاهيم الناس، فيصبح الشرطي مجرما والمجرم ضحية الشرطي. البيع على المكشوف لم يُسبب الأزمة المالية الحالية، البيع على المكشوف كشف التلاعب في الشركات والأسواق المالية. البيع على المكشوف على الصورة التي ذكرتها بيع صحيح شرعا مستوفي الشروط خال من النواقض والحيل، منفعته أكبر من ضرره وتتحقق به مقاصد الشريعة.


للامانه الموضوع منقول للفائده ومع احترامي للكاتب سوقنا ينقصه ادوات واجراءات وانظمه قبل القيام بهذه الخطوه وابسطها الشفافيه

[Jeddahboy79]

الي اعرفه short sell حرام

[Trends]

short sell حرام

[smsa25]

بارك الله فيك
أخي صندوق التوازن ياريت تشرح لنا بالتفصيل البيع والشراء على الهامش ايضا مثل ماشرحت البيع على المكشوف واكون شاكراً ومقدراً لك
وجزاك الله ألف خير