السمسرة العقارية (بين الحلال والحرام ) و ( الحلال بين والحرام بين )

[المعاالي]

السمسرة العقارية (بين الحلال والحرام ) و ( الحلال بين والحرام بين )

هل تعرف الحلال والحرام في المهن والأعمال والوظائف؟! إذا كنت لا تعرف وتريد أن تتحسس طريقك وتتبين حلال عملك من حرامه عليك بحضور دورة في سلسلة فقه رجال الأعمال تعرفك تفاصيل شغلك وخبايا عملك والحكم «الشرعي» لجواز عملك.. إذا كنت تعمل أصلا!
وأنا لا أدعوك هنا عزيزي القارئ لحضور هذه الدورة الغريبة. لكن وصلنا إعلان تلك الدورة التي يوزع منشورها في عدد من المساجد، اشتراكها ١٥٠ جنيهاً تقدم في ١٢ ساعة.
والحقيقة أنني لم أعرف أن أبواب الفقه الذي يدرس في جامعة الأزهر تتضمن فقها لرجال الأعمال، ولكن ربما استحدث ذلك مع تطور الزمن. يعني هناك فقه لرجال الأعمال وفقه للمهندسين وفقه للعاملين بالكمبيوتر.. وكل واحد وله فقهه إن شاء الله.
وتعالوا نشوف جدول الدورة المتخصصة، فكل أنواع المعمل طبقا لتلك الدورة فيها حلال وحرام بدءا من العمل في الإعلام (يا رب احفظنا) مرورا بالعمل في تقنية المعلومات، شركات التأمين، الضرائب، بطاقات الائتمان، المحاسبة، المصارف، الهندسة، السمسرة العقارية..
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد إلي العمل في القضاء وتوابعه والعمل في المجالات العسكرية والأمنية. وطبعاً لا يخلو الأمر من العمل في المطاعم والفنادق السياحية ومحال بيع المجوهرات (مش عارفة أي نوع من المجوهرات بالضبط الذهب أم الماس).
هكذا يقول جدول الدورة التي تنظمها مؤسسة يحمل شعارها «الوسطية للبحوث والتدريب»!!
وهكذا يا سادة كله فيه شبهة.. يعني لو كنت تعمل مثلي مثلا في العقارات فلابد أن انتقاد الحكومة حلال.. لكن انتقاد مرشد جماعة الإخوان المسلمين حرام، وطبعا إذا قدمت برامج دينية حلال، لكن إذا تكلمت عن ختان الإناث حرام حرام.. فإذا اختل عقلك مثلا وقدمت برامج «منوعات» أو رياضة أو شعراً وخلافه فهذا هو صلب الحرام وربنا يبعدنا عنه.. ويمكن أن أفهم مثلا في مجال السياحة أنه حرام العمل في صالات القمار،
وفي تقديم الخمور.. ماشي مفهوم.. لكن تري ما الحرام في العمل في أجهزة الضرائب التابعة للدولة؟ إلا إذا كان العمل عند د. يوسف بطرس حرام؟! وما الحرام في العمل في المجال الهندسي، ما الحرام في عمل القضاء؟! والأهم ما الحرام في العمل في المجالات العسكرية والأمنية؟!
وهكذا وكأننا دولة الشغل فيها مقطع بعضه.. ولا نعرف لا بطالة ولا يحزنون.. ولا نجد ما نفعله سوي البحث عن الحلال والحرام.. إن الحلال بين والحرام بين.. في أي من مجالات الحياة. القاضي يعرف أن الحكم الظالم حرام.. والمهندس يعرف أن غش المونة والخرسانة حرام والضابط يعرف أن خيانة الوطن والتخابر لصالح دولة أجنبية أكيد أكيد حرام..
لا يحتاج ذلك إلي فقه لا يحتاج ذلك إلي دورات لا يحتاج ذلك الي اشتراك.. إلا إذا كان الدين قد أصبح «سبوبة» لكل من ادعي المعرفة.. تلك هي مصيبتنا.. نحلل ونحرم علي أهوائنا.. من يحق له أن يحلل ويحرم؟ من يحق له أن يكفر وينجي؟.
لقد تركنا صلب الإسلام.. أهملنا صلب الأخلاق والمبادئ وانتقلنا إلي فروع وغصون وروافد لا علاقة لها بالدين.. لقد أهملنا العقل الذي أوصانا به الله.. العقل الذي ميزنا به الرحمن.. وبحثنا عمن يعطينا صكوك الغفران وصكوك النجاة من النار.. إن صك النجاة الوحيد هو العمل والاتقان في العمل،
هو الإيمان، هو مبادئ الصدق والأمانة والإخلاص التي هجرناها وأهملناها بحثا من الحلال والحرام.. وتسألون لماذا نتخلف وتسألون لماذا نتراجع وتسألون لماذا لا ننافس؟ لأننا لا نعمل، لأننا لا نبدع، لأننا لا نفكر.. نضيع وقتنا وأموالنا بحثا عن الحلال والحرام ولا نفكر في حلول للجهل والفقر والبطالة.. هذه الدورات منتشرة بين الشباب في الجامعات والمساجد كي تغسل عقولهم قبل أن يخرجوا للحياة العملية..
ولا أدري أين الرقابة علي مثلها.. لماذا نحن بارعون في مصادرة الفكر والكتب والثقافة والفن.. ونترك هؤلاء يرمحون بعقول شبابنا يحللون ويحرمون طبقا لفكرهم الذي لا نعرف.. من أين جاءوا به؟ من الكتاب والسنة.. أم من مذاهب وهابية غريبة علينا.. تخترق عقولنا ومجتمعاتنا ونحن نرحب بها بسلبية شديدة.. ونخشي مقاومته كي لا يكفرنا أصحابه.. قالها المتنبي منذ مئات السنين:
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
بقلم / محمد الغرباوى