بين الهيئة وكبار المحللين .. التصريح الذي هوى بالسوق

[bosaleh]

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بين الهيئة وكبار المحللين .. التصريح الذي هوى بالسوق
د. محمد أل عباس - كاتب اقتصادي 23/03/1427هـ
maalabbas@kku.edu.sa

المعلومات هي الهواء الذي تحيا به السوق، فكلما كان هذا الهواء نقيا وغير ملوث ومن مصادره النقية كانت السوق بصحة جيدة والعكس يقدم العكس. إن سعر أي سهم في السوق إنما يعكس كل المعلومات المتاحة عن هذا السهم باختلاف مدى صدقها ومصدرها، التي تؤثر على توقعات المستثمرين بشأن التدفقات النقدية الناتجة منه سواء من خلال توزيعات الأرباح أو من خلال ارتفاع سعر السهم وتحقيق أرباح رأسمالية، ولذلك تختلف الأسعار من الطلب إلى العرض باختلاف التنبؤات والتوقعات حول سعر السهم (قيمة التدفقات النقدية منه). البائع يتوقع أنه حصل على أعلى تدفق نقدي ممكن أو أنه باع التدفقات النقدية المستقبلية بأعلى سعر ممكن بينما الذي اشترى يتوقع المزيد، ويتوازن السعر عند مستوى تقارب التوقعات (مستوى المضاربات).

السعر العادل يعكس قدرة السهم على اختزال كل المعلومات الصحيحة المتاحة عنه (كفاءة السوق). تحصل الفروق الواسعة بين أسعار الافتتاح والإغلاق بقدر فجوة التوقعات بين المشترين والبائعين التي تخلقها نوعية المعلومات التي يعتمد عليها كلا الطرفين ومصادرها. يؤكد كثير من الدراسات أنه كلما زاد تعرض السهم لمثل هذه الفجوات كان في ذلك إشارة إلى سوء إدارة المعلومة من قبل الشركة أو جودتها. يربح أكثر من لديه المعلومة الصحيحة التي لم تصل إلى غيره بعد. يحاول العديد من كبار المضاربين خلق جو من التضليل حول حصولهم على معلومات عن سهم معين برفع سعره عن سعر الافتتاح أو تخفيضه بشكل هائل، مما يدفع باقي السوق لمتابعة ذلك السهم ظنا منهم أن هناك معلومة مهمة إيجابية أو سلبية لم تصلهم بعد ومثل هذه التصرفات تعاقب عليها هيئة السوق. إذا ارتفعت الأسعار أو هبطت بشكل حاد جدا وفي أي اتجاه ولم تقدم الهيئة تفسيرات أو تحفظات عنها فإن في ذلك إشارة إلى السوق أن هناك معلومة لم تصل بشكلها الرسمي بعد، وللأسف هذه حال السوق السعودية، كما أثبتتها التجارب السابقة.

وقعت السوق أخيرا وبحدة في خانة السوق ذات الكفاءة الضعيفة جدا، أي أن الأسعار لا تعكس المعلومات الصحيحة المتاحة عن الشركات. أعلنت معظم الشركات السعودية المدرجة عن تحقيق أرباح عالية جدا، ومع ذلك تدهورت الأسعار, وبقيت أسباب هذا التدهور العام لغزا يعرفه البعض ويغيب عن السوق. عندما تقوم المحافظ الكبرى بالبيع وعلى النسب الدنيا فإنها تعرف شيئا ما يشير إلى أن التدفقات النقدية التي ستأتي من سوق الأسهم أقل من الأسعار المعلنة الآن. وستبقى الأسعار تهوي حتى تصل إلى سعر توازن يعكس أثر المعلومات غير المعروفة.

ولكن ما هي هذه المعلومات؟ لتحديد نوعية هذه المعلومات أشير إلى أن هناك نوعين من المعلومات قادرة على التأثير على سعر السهم لأي شركة, معلومات كلية أي عن الاقتصاد أو السوق ككل ومعلومات جزئية أي عن الشركة فقط . إذا هوت الأسعار الخاصة بسهم شركة ما فقط فإن المعلومة المؤثرة من الطابع الثاني أي الجزئية فابحث عنها. أما إذا هوت السوق بأكملها فإن المعلومة الناقصة معلومة تخص الاقتصاد أو السوق ككل.

بالتأكيد نحن نمر بالوضعية الثانية أي أن السوق بمجملها تتراجع فيما تعلن الشركات أرباحا قياسية. إذا ولا ريب فإن المعلومة المفقودة ذات طابع كلي. فما هي ومن يجيب عنها؟ كان من المفترض أن تقدم لنا هيئة السوق ومؤسسة النقد في مؤتمر صحافي كافة المعلومات المتاحة لديهما عن السوق. إن المصيبة أن ندعي ونعاقب على الشفافية في الوقت الذي لا نلتزم بها.. وعار عليك إذا فعلت عظيم. هل هناك تأثير للتهديدات الأمريكية لإيران الأمر الذي دفع كبار المضاربين إلى سحب السيولة والتوجه إلى الملاذ الآمن (الذهب)؟ تجيبنا مؤسسة النقد!

إذا لم يكن لهذه التهديدات أرضية في السوق فإنه لم يبق في تحليلي هذا مجال إلا الهيئة - وعند جهينة الخبر اليقين. هل ستقسم السوق بعد 20 يوما إلى سوقين كما صرح بذلك الدكتور الدقاق في ندوة حائل؟ نفت الهيئة الخبر بطريقة من صادق عليه . كيف؟ أنا لا أعتقد أن الدكتور الدقاق يهذي بما لا يعرف أو أنه سمع من مصدر غير موثوق. يؤكد ما أذهب إليه تصريحات الهيئة قبلا بتقسيم السوق وإن تم التصريح بذلك في المملكة المتحدة وكان الخبر لا يؤثر علينا نحن هنا. وإذا كان الدكتور الدقاق - وهو ليس كذلك كما اعرفه وتعرفه السوق - قد قال بما لا يعرف، فلماذا لم تقم الهيئة باستدعائه كما فعلت مع غيره ولها في ذلك سابقة ومن ثم سؤاله عن أسباب التصريح ودوافعه، وكأن السكوت عنه رضا بما قاله.

أنا لا أنتقد الدكتور الدقاق على تصريحاته فهو أعرف بما يقول ولست أهلا لذلك ابتداءً، ولكني أحاول أن أصل إلى تلك المعلومة التي لا تعرفها السوق وهي عن السوق في مقامها الكلي وقد أوصلتنا إلى هذا التدهور. أعتقد أن خبر إيقاف المضاربين أثر على نفسيات السوق بحدة ثم جاءت تصريحات الدكتور الدقاق، كما القشة التي قصمت ظهر السوق. لم تستطع السوق كما يبدو لي تحقيق أسعار تعكس أثر معلومة تقسيم السوق وأين ستتجه السيولة بعدها، ولذلك فشلت في التنبؤ فأحجمت عن الشراء أو إعادة هيكلة المراكز الاستثمارية فهوت إلى القاع.