للتسجيل اضغط هـنـا
أنظمة الموقع تداول في الإعلام للإعلان لديـنا راسلنا التسجيل طلب كود تنشيط العضوية   تنشيط العضوية استعادة كلمة المرور
تداول مواقع الشركات مركز البرامج
مؤشرات السوق اسعار النفط مؤشرات العالم اعلانات الشركات الاكثر نشاط تحميل
 



العودة   منتديات تداول > المنتديات الإدارية > اســــتراحـة الــــمســاهــمين



إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 02-06-2013, 03:05 AM   #101
عبدالله هادي
أبو بنان
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,216

 
افتراضي فـايـز سـارة

هل يستحق السوريون كل هذا؟



عاشت دول المنطقة ومحيطها عشرات الكوارث الإنسانية في العقود الستة الأخيرة، وكان جيلنا السوري شاهدا يوميا على ما أحاط بها، وعرف وتفاعل مع كثير من تفاصيلها اليومية والإنسانية. وإذ كانت بعض تلك الكوارث من صنع الطبيعة كما هي الزلازل والعواصف والسيول الجارفة، فإن أغلب الكوارث كانت من صنع البشر وأغلبهم من أعداء أو حكام أطاحوا بحقوق شعوبهم وكرسوا الاستبداد والاستئثار بالسلطة في مواجهة شعوبهم، والبعض منهم قاد بلاده إلى حروب مدمرة مع الجوار أو أنه دخل ببلاده أتون حرب أهلية، بعد أن استنزف قدراتها البشرية والمادية عقودا من السنوات، وتركت تلك السياسات كوارث وآثارا لا تقل سوءا عما خلفته الكوارث الطبيعية، بل كانت أشد قسوة وأثرا.

وعلى الرغم من أنه لم يكن للسوريين في غالب الأحيان دور فيما أصاب تلك الدول وشعوبها من كوارث ومصائب، وعلى الرغم من أن حال السوريين لم يكن أفضل بكثير من أحوال الشعوب المحيطة بهم والقريبة منهم، فإنهم وقفوا، كما ينبغي للإخوة والبشر أن يقفوا، إلى جانب إخوتهم وجيرانهم في المحن التي تعرضوا لها، والسلسلة في ذلك ممتدة إلى بلاد وشعوب تقارب في كثير من أحوالها حالة الشعب السوري.

وإذا كان من الطبيعي، أن يساهم السوريون في حملات الدعم والمساندة الإنسانية لضحايا الكوارث الطبيعية، فليس من باب المنة قول إن السوريين، كانوا أكثر من وقفوا إلى جانب إخوتهم الفلسطينيين في المحنة الكبرى التي تعرضوا لها طوال قرن مضى، وكانوا أنصارهم وملجأهم في أغلب حلقات المحنة، ووفروا لهم ليس ملاذا آمنا فقط، وإنما حياة تماثل وتقارب حياة السوريين، كما وقف السوريون في مواجهة محنة الحرب بين الهند وباكستان بداية السبعينات، ووفروا ملاذا آمنا لعشرات آلاف الضحايا والهاربين من الحرب، واحتضن السوريون ضحايا الصراعات التي جرت في أفغانستان أواسط السبعينات، واستمرت سنوات طويلة، كما استقبل السوريون أردنيين وفلسطينيين وصلوا إلى الأراضي السورية نتيجة الصراع الدامي في الأردن بين المقاومة الفلسطينية والسلطات الأردنية بين عامي 1970 و1971، ثم استقبلوا اللبنانيين في سنوات الحرب الأهلية 1975 - 1990، وزادوا على ذلك استقبال لبنانيين وفلسطينيين في كل الحروب الإسرائيلية على لبنان وخاصة في حروب 1978 و1982 و1996 وصولا إلى حرب عام 2006، التي جاءت ردا على عملية قام بها حزب الله عبر حدود لبنان الجنوبية، واستقبل السوريون إخوانهم من الكويت بعد اجتياح القوات العراقية للكويت عام 1990، ثم استقبلوا اللاجئين العراقيين الهاربين من الحرب الدولية على العراق مرتين؛ الأولى عام 1991، والثانية في عام 2003 التي انتهت بسقوط نظام صدام حسين واحتلال العراق.

ولم يقتصر استقبال السوريين على اللاجئين والهاربين من الحروب، وتقديم كل مساعدة ممكنة لهم، بل امتد الأمر إلى استقبال ضحايا الاضطهاد السياسي من بلدان كثيرة في سوريا، التي عاش فيها لاجئون سياسيون وأصحاب رأي عراقيون ومصريون ويمنيون ومن دول عربية أخرى، ومن بلدان أفريقية وآسيوية، ووفرت لهم احتياجات إنسانية بعد أن تعذر عليهم العيش في بلادهم على نحو ما عاش معظم قادة العراق الحاليين في سوريا وسط أفضل شروط وفرها الشعب السوري.

وإن كان ثمة من يرى أن بعض تلك الحالات، تتوافق وسياسات النظام ومواقفه في ضوء الصراعات الإقليمية والدولية وموقفه منها، فإن ذلك لا يعني أن الشعب السوري كان يستجيب لتلك الحالات تناغما مع مواقف النظام وسياساته، إنما كانت مواقفه نتيجة الحس الإنساني والتضامني الذي ميز سلوك السوريين حيال أصحاب الحاجة إلى الملاذ الآمن والباحثين عن فرصة لحياة طبيعية بعد أن تعذر الحصول عليها في بلدانهم ووسط أهلهم وفي ظل حكوماتهم الباغية، وهذا سلوك سوري قديم، تؤكده فصول من تاريخ سوريا في استقبالها لمغاربة وجزائريين وشركس وأرمن وأرناؤوط وغيرهم ممن وفدوا إلى سوريا في ظروف صعبة، ثم اندمجوا في النسيج السكاني للسوريين.

وسط ذلك الإرث من مساعدة الآخرين باعتبارها واجبا أخلاقيا وأخويا وإنسانيا، تنطلق الأسئلة تباعا عن الأوضاع التي تحيط بالسوريين في بلدان الجوار وغيرها، حيث ثمة شكاوى من مواقف تمييزية كما الحال في لبنان، ومن سياسات احتجاز في مخيمات متواضعة الخدمات على نحو ما هو عليه الحال في الأردن وبعض مخيمات تركيا، ومن تقييد لاستقبالهم كما في العديد من الدول العربية، أو التشدد في منحهم أذونات الدخول إلى كثير من بلدان العالم. بل إن الأفظع مما سبق، مشاركة دول مثل روسيا وإيران في الحرب على السوريين بتقديم السلاح والمال والخبرات لنظام يقتل الشعب، وأن يسمح العراق بمرور شحنات الأسلحة عبر أراضية لقتل السوريين، وأن تسكت السلطات العراقية إن لم نقل إنها تدعم مرور عناصر الميليشيات الشيعية للمشاركة في الحرب على السوريين، ولعل أبشع ما يمكن في هذا المسار قيام قوات حزب الله بالهجوم على مناطق سورية وتدميرها على نحو ما يحصل في منطقة القصير وفي ريف دمشق في خطوة ستؤدي إلى تعزيز فرص حرب طائفية بين المسلمين الشيعة والسُنة، التي هي جزء من استراتيجية إيران في المنطقة.

إن الأسئلة المثارة كلها، يمكن اختصارها في سؤال جوهري خلاصته: هل يستحق السوريون ما يحصل لهم؟
عبدالله هادي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-06-2013, 03:07 AM   #102
عبدالله هادي
أبو بنان
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,216

 
افتراضي عـبـد الـرحـمـن الـراشــد

اعترافات القرضاوي.. موقف شجاع


مراجعات الشيخ يوسف القرضاوي حدث مهم؛ لأنه وقف واعترف صراحة «إنني ظللت لسنوات أدعو إلى تقريب بين المذاهب، وسافرت إلى إيران أيام الرئيس السابق محمد خاتمي. هم ضحكوا عليّ وعلى كثير مثلي، وكانوا يقولون إنهم يريدون التقريب بين المذاهب».

ويعترف بخطئه: «دافعت (قبل سنوات) عن حسن نصر الله الذي يسمي حزبه حزب الله وهو حزب الطاغوت وحزب الشيطان، هؤلاء يدافعون عن بشار الأسد». وقال: «وقفت ضد المشايخ الكبار في السعودية داعيا لنصرة حزب الله (آنذاك)، لكن مشايخ السعودية كانوا أنضج مني وأبصر مني؛ لأنهم عرفوا هؤلاء على حقيقتهم.. هم كذبة».

شيخ في مقام الشيخ القرضاوي يقدم اعترافاته علانية وصريحة حدث مهم جدا، يقول كنت على خطأ في كل ما فعلته، ودافعت عنه، وهاجمت الآخرين بسببه. المعارك التي دارت في السنوات العشرين الماضية كانت تقوم على فكرة بناء عالم إسلامي من حكومات وأحزاب وشخصيات، وبني المشروع الرومانسي على كم هائل من الأكاذيب والخرافات، جمع المخادعين مع المخدوعين.

شجاعة الشيخ القرضاوي تستحق الاحترام؛ لأنه شبه الوحيد الذي قال لقد أخطأت، وكان بإمكانه أن يلجأ للتبرير أو التجاهل، إنما اختار أن يواجه أتباعه معترفا بخطئه.

لم يخطئ القرضاوي في فكرة التقارب بين المذاهب، والدعوة للتعاون الإسلامي؛ لأنها أفكار نبيلة. أخطأ في فهم محركات السياسة التي أدارت المشروع في طهران وبيروت ودمشق. طهران الخميني مشروع لا علاقة له بالإسلام، بل مشروع إيراني هدفه الهيمنة على المنطقة، واعتمد مخططوه في طهران على كذبة الثورة الإسلامية، لأنها الرابط الوحيد مع ألف مليون مسلم في العالم، والتي يمكن ركوبها للتوسع جغرافياً ونفوذاً.

خضنا معارك جدلية مع كل حلفاء إيران وحزب الله ونظام سوريا، مثقفيهم ودعاتهم؛ لأننا نعرف كنه هذه النظم، وأهدافها، وتفاصيل نشاطاتها. نعرف أن الأغلبية التي سارت خلف هذه الجماعات الشريرة غرر بها، اتبعتها بنية حسنة، لكن كما تعلمون.. الطريق إلى جهنم مليء بالنوايا الطيبة. الشيخ القرضاوي، نفسه، انساق وراء أوهام كبيرة، ككثير من رجال الدين الذين دخلوا ساحة السياسة بكثير من الحماس وقليل من العلم في هذا المجال. غادر مصر احتجاجا على الرئيس الراحل أنور السادات؛ لأنه وقع اتفاق السلام مع إسرائيل، وعاش بعدها في قطر. وكانت إيران قبلة للغاضبين والمتحمسين لتغيير العالم الإسلامي. المحبطون والمبهورون كتبوا كتبا تمجد الثورة الإيرانية، وألقوا خطبا تبجل القيادات الإيرانية، رغم أن أوساخها السياسية ظاهرة للعيان منذ هروب أبو الحسن بني صدر، أول رئيس منتخب والمقرب من آية الله الخميني. عصابة النظام الجديد طاردوا شركاءهم في الثورة وقتلوا العديد منهم. بعد هذا كيف يصدقون أن نظاما مجرما في حق أهله في طهران يمكن أن يكون قائدا لهم يحرر فلسطين ويزيل أنظمة الطواغيت؟

ليس صحيحا أن إيران كانت لغزا مجهولا، بل كانت نظاما طائفيا سيئا منذ البداية. عندما ألف سلمان رشدي روايته «آيات شيطانية»، قادت إيران حملة ضد بريطانيا وسعت تطلب معاقبتها في مؤتمر إسلامي في جدة. المفارقة أن الوفد الفلسطيني الذي كان يعرف أكاذيب نظام الخميني مبكرا، قال بريطانيا ليست بلدا إسلاميا، وطرح فكرة منع سب الصحابة أولا في الدول الإسلامية، وليس فقط ضد بريطانيا. جن جنون الوفد الإيراني ورفض وانسحب.

وبكل أسف لا يزال رفاق القرضاوي المخدوعون يسيرون وراء إيران، مثل قيادات حماس، وقيادة «الإخوان المسلمين» في مصر. ألا يفكر أحدهم قليلا ويتخيل كيف سيكون عالمنا غدا تحت سيطرة شخص سيئ مثل علي خامنئي أو قاسم سليماني أو حسن نصر الله؟ من المؤكد أن إيران المتطرفة ستتحالف غدا مع أميركا الشيطان الأكبر، وستتعاون مع إسرائيل، وستجثم على نفط المنطقة وتفرض مشروعها!
عبدالله هادي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-06-2013, 03:09 AM   #103
عبدالله هادي
أبو بنان
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,216

 
افتراضي

تراجع الشيخ.. ماذا عن الشتامين؟


أعلنها الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي صريحة هذا الأسبوع، ومن الدوحة، حيث قال: «إنني ظللت لسنوات أدعو إلى تقريب بين المذاهب، وسافرت إلى إيران لكن هؤلاء المتعصبين والمتشددين يريدون أكل أهل السنة.. هم ضحكوا عليّ وعلى كثيرين مثلي»!

كلام الشيخ القرضاوي هذا جاء تعقيبا على خطاب حسن نصر الله الذي أعلن فيه الوقوف مع بشار الأسد، والقتال دفاعا عنه، ولم يكتفِ القرضاوي بقول ما نقلناه أعلاه بل إنه اعترف بأنه دافع قبل سنوات عن حسن نصر الله وحزبه، وتحديدا منذ مغامرة حزب الله التي كلفت حربا إسرائيلية على لبنان عام 2006، وعن ذلك يقول القرضاوي: «وقفت ضد المشايخ الكبار في السعودية داعيا لنصرة حزب الله، لكن مشايخ السعودية كانوا أنضج مني وأبصر مني، لأنهم عرفوا هؤلاء على حقيقتهم...».

حسنا، السؤال هنا هو: ما دام أن القرضاوي أقر بخطئه، وأقر بأن علماء السعودية الكبار كانوا أنضج وأبصر، فما الذي ينتظره طلاب القرضاوي ومريدوه؟ لماذا لا يعتذرون عن شتائمهم، وحملاتهم الكاذبة؟ لماذا لا يعتذرون لكل من كان ذا بصيرة وتعقل؟ صحيح أن علماء السعودية الكبار كانوا متيقظين، لكن كان هناك أيضا قلة من العقلاء الذين حذروا من خطورة حزب الله، ومن خلفه إيران، وحذروا من نظام الأسد وكذبة المقاومة والممانعة، كما حذروا من حلفاء طهران كحركة حماس، وذلك خشية على قضايانا واستقرارنا وأمننا، وليس بسبب الدافع الطائفي الذي يتكلم عنه القرضاوي الآن. فالتحذير من إيران وحلفائها لم يكن لأسباب طائفية، بل كان تحذيرا من كل من يريد الترويج للتطرف شيعيا كان أو سنيا ولأهداف حزبية وحركية، كعلاقة الإخوان المسلمين بطهران، أو ممن يريدون الاستفادة من البعد الطائفي لشق الصفوف، وهدم دولنا.

كلام القرضاوي مهم صحيح، لكنه لا يبرئ ساحته، فمن يتحمل تبعات كل ما جرى من سنوات التماهي الإخواني مع إيران؟ ومن يتحمل وزر هذه الدماء في منطقتنا؟ ومن سيقوم بتنظيف، وتصحيح هذا الإرث الملوث للعقول؟ ولماذا لا يعتذر الشتامون عن شتائمهم المقذعة، ويعتذرون عن اختلاق، وترويج، قوائم التشهير الكاذبة؟ فلا يكفي أن ينقلب الآن على حسن نصر الله من روجوا له بالأمس، والتقطوا الصور معه تفاخرا، دون أن يعتذروا عما فعلوه زورا وبهتانا ولسنوات. والأمر ليس بالثأر الشخصي، بل لضمان عدم تكرار الأخطاء، والأهم اليوم ألا يخدم المنقلبون على إيران أهدافها مرتين؛ الأولى يوم تحالفوا معها، ومكنوها بمنطقتنا، والثانية بإذكاء الروح الطائفية الآن دفاعا عن السوريين.

الواجب اليوم هو عدم الانسياق خلف أهداف إيران والحذر من إنجاح مشروعها الطائفي، مع ضرورة التوعية من مخاطر طهران وحلفائها على منطقتنا، وكذلك السعي لنزع الفتيل الطائفي الذي من شأنه إحراق كل المنطقة. ولذا فإن المنتظر من مريدي القرضاوي الآن هو الاعتذار، وعدم الانسياق خلف تطرف جديد لا يقل سوءا عن تطرفهم القديم.
عبدالله هادي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-2013, 03:28 AM   #104
عبدالله هادي
أبو بنان
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,216

 
افتراضي مـأمـون فـنــدي

«جنيف2»: فرصة أم بداية مستنقع؟



للإجابة عن السؤال: هل «جنيف2» بداية فرصة للحل السياسي في سوريا أم بداية ترسيم لملامح مستنقع لحروب عصابات لسنوات قادمة؟

منهجي منذ بدايات الكتابة هو تحليل القضايا الكبرى من خلال تفكيك القضايا الصغيرة، لذلك سأبدأ التحليل من مشهد مهم شاهدناه جميعا في الأسبوع الماضي الذي أفضى إلى توسيع مجلس المعارضة السورية.

بداية، توسيع المعارضة السورية يكشف عن اختلاف جوهري بين الدول الراعية: دول تهدف إلى تغيير النظام وتسليم سوريا لـ«الإخوان المسلمين» على غرار مصر وتونس، ودول أخرى تورطت في المشهد وتحاول في اللحظة الأخيرة أن تضع فرامل أو كوابح أو فيتو ضد تسليم مقاليد الأمور لـ«الإخوان»، رغم أنها تشارك تركيا وقطر في رؤية تغيير النظام، ولكنها تختلف معها في تسليم سوريا لـ«الإخوان».

مهم لمن يريد أن يفهم بعين صافية أن يحدد بوضوح لماذا تركيا وقطر، مثلا لا تقبل بأقل من تغيير النظام في سوريا وبقاء سوريا موحدة غير مقسمة؟

أبدأ بقطر وتركيا والصراع في سوريا. بداية، لو امتد الصراع في سوريا لمدة عام آخر ودخلنا في حرب عصابات شيعية وسنية على الأرض فالنتيجة الحتمية لصراع العصابات، بما فيها الدولة كعصابة أيضا، فالنتيجة هي ظهور دولة علوية في الساحل السوري ودولة كردية ملحقة بأكراد العراق وأكراد تركيا. من الخاسر الأكبر في هذا؟ تركيا تكون هي الخاسر الأكبر؛ لأن بها ما يقرب من 12 مليون نسمة من العلويين ربما يفضلون العيش ضمن دولة علوية تشمل الساحل السوري ولواء الإسكندرون. إذن تقسيم سوريا يقضم أيضا من المساحة التركية من الناحية العلوية، وأيضا يقضم منها قطعة من ناحية الأكراد الذين قد تكون دويلة كردية لهم في سوريا هي نواة دولة الكرد الكبرى التي تقتطع أجزاء من العراق وإيران وتركيا. إذن كل هذه الدول الخاسرة من قيام دولة كردية تتفق على عدم تقسيم سوريا، وخصوصا تركيا الخاسر الأكبر لن تقبل مطلقا بالتقسيم؛ لأنها تخسر من جهتين: ظهور دولة كردية يأتي على حساب أراضيها، وظهور دولة علوية يأتي على حساب أرضها وسكانها. إذن ما يهم تركيا هو تغيير نظام الأسد وتسليم سوريا لـ«الإخوان» وليس تقسيم سوريا، وتنضم قطر إلى تركيا في هذه الرؤية.

الأطراف الأخرى الراعية للمعارضة السورية والتي تعادي نظام الأسد ونظام «الإخوان» في الوقت ذاته، تريد تغيير النظام، أما الطرف الثاني الراعي للمعارضة غير الدينية، فهو يريد تغيير النظام شريطة ألا يتم تسليم سوريا بعد الأسد إلى «الإخوان»، ولكنه طرف حتى الآن لا يعرف كيف يمنع سيطرة «الإخوان» على سوريا بعد الأسد، فقط اقترح أن يترك هذا المجلس ويدعو لتكوين مجلس يعبر عن الداخل من خلال تمثيل المقاتلين على الأرض إذا ما أصر «الإخوان» على السيطرة. أمام هذا التهديد يبدو أن قطر وتركيا تراجعتا وقبلتا بتوسيع المجلس حتى لا يتم توسيع الشقاق بين الدول الراعية للمعارضة.

في مقابل الموقف التركي - القطري القائل بضرورة تغيير النظام، هناك محور النقيض المتمثل بنظام إيران، ومعه نظام نوري المالكي في العراق، ومعهما حزب الله، يقولون ببقاء النظام الحالي واستمراريته رغم شلال الدماء وبشاعة مائة ألف قتيل حتى اليوم.

تبقى السعودية والإمارات اللتان تتناقض مصالحهما مع إيران ومحاورها بشكل مباشر، وتختلفان في الرؤية، مع كل من تركيا وقطر. أين تقف كل منهما بين هذين النقيضين: القائلين بتغيير النظام (تركيا وقطر) والمنافحين من أجل بقائه واستمراره (إيران والعراق وحزب الله)؟ المؤكد في الحالتين أن الدولتين لا تفضلان تسليم سوريا لـ«الإخوان»، كما أنه من الواضح أيضا أنهما ليستا مع تقسيم سوريا، ولكنهما مع تغيير النظام بشرط عدم تسليم سوريا لـ«الإخوان».

هذا كلام جيد على الورق، ولكن ماذا يعني على أرض الواقع؟ وهنا أسوق مثالين يعقدان الأمر ولا يسهلانه: الأول هو كيف أن توسيع المجلس لا يعني عدم سيطرة «الإخوان» على سوريا وهناك درس واضح وضوح الشمس في الحالة المصرية، حيث كان «الإخوان» أقلية ضمن ممثلي المعارضة التي تفاوضت مع عمر سليمان، ومع ذلك لم يمنع هذا «الإخوان» من سرقة الثورة والسيطرة على المشهد في مصر ولمدة عامين حتى الآن؟!

أما المثال الثاني فهو في حالة اتخاذ الصراع منحى طائفيا بين السنة والشيعة وجيوشهما كما بينت في المقال السابق (الجيش الإيراني والسوري والعراقي وحزب الله) قد تصطف هذه الدول إلى جوار «الإخوان» في مقاومة سيطرة شيعية وتوسع إيراني في المنطقة. أقول قد تصطف رغم أنها لا تقبل هذا الاصطفاف، كما أنه ليس في مصلحة أي منهما على المدى البعيد أن تتحالفا مع «الإخوان المسلمين»، وقد كتبت هذا أيضا في مقال سابق عن المنطقة بين هلالين (الهلال الشيعي والهلال الإخواني)، وكيف أن بعض دول الخليج قد تجد نفسها مع «الإخوان» رغم أنها لا ترغب في ذلك.

توسيع مجلس المعارضة السورية كاشف لاختلاف في الرؤية رغم إصرار البعض على أنه خلاف تكتيكي حول مستقبل الحكم في سوريا وعلاقته باستقرار الإقليم.

واضح من الأحاديث ومن السلوك السياسي في هذه الأزمة أن الرؤية لم تتبلور بعد، وأن الاختلاف بين المعارضة يعكس خلافا بين الدول الراعية. قد يكون الموقفان الروسي والإيراني من الأزمة السورية موقفين في منتهى الغباء، إلا أنهما موقفان متماسكان رغم هذا، وهذه ميزة.

على الطرف الآخر المواقف تستحق الإشادة في بعدها الإنساني الذي يراعي مأساة الشعب السوري، ولكنه موقف لا يتسم بتماسك الرؤية، أو في أحسن الأحوال موقف يتسم بالضبابية. قد تكون إحدى حسنات مؤتمر «جنيف2» هي أن تتبلور الرؤى على طاولة المفاوضات، وتنقل المشهد من صراعاته الإقليمية إلى بعده الدولي.

البعد العالمي هو السياق الحاكم هنا لشكل التغيير في سوريا والمنطقة برمتها، فما زالت أميركا وأوروبا بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001 تريدان الصراع الحضاري داخل البيت الإسلامي (سنة وشيعة)، وكل هذا يشير إلى أننا أمام إما حالة صراع ممتد داخل الصندوق السوري أو صراع إقليمي محدود وممتد أيضا بين السنة والشيعة: صراع يجعل كلا من أميركا وأوروبا بعيدتين عن نيران الجهاد والحروب الدينية. إذن نحن أمام ثلاثة أهلة: هلال شيعي وهلال إخواني وهلال النيران أو هلال الحروب.

في ظل هذه الأجواء يبدو أن «جنيف2» ستكون بداية ترسيم ملامح مستنقع يدوم لسنوات لا بداية حل للأزمة؛ إذ لا يوجد تصور استراتيجي حاكم لهذا المؤتمر يأخذ في الاعتبار مصالح دول الجوار المختلفة وتخوفاتها، ويترك الأمر لجماعات صغيرة ترسم الملامح الاستراتيجية لمنطقة هامة جدا من العالم.

ما لا يدركه المنادون بتغيير النظام في سوريا أن سوريا كلها تغيرت بعد عامين من الثورة، ومن ضمنها النظام، ولكن أهم ما تغير في هذه المعادلة هو الشعب السوري نفسه الذي لم يؤخذ تغييره الكبير حتى في حسبان من يحاولون البحث عن مخرج في سوريا، مخرج يجب أن يكون في مصلحة الشعب السوري قبل كل شيء.
عبدالله هادي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-2013, 03:29 AM   #105
عبدالله هادي
أبو بنان
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,216

 
افتراضي طــارق الــحـمـيــد

وانفرطت مسبحة الملالي!


ها هو عقد حلفاء إيران بالمنطقة ينفرط كانفراط حبات المسبحة بيد ملالي طهران، وحتى قبل سقوط الأسد، فقبل يومين أعلن الشيخ يوسف القرضاوي أن الإيرانيين خدعوه، وها هو الآن خالد مشعل يحل «ضيفا» على حفلة المنقلبين على حلفاء الأمس الأسد، وبالطبع إيران!

الآن يعلن زعيم حماس الإخوانية، وبعد عامين من الثورة السورية، وكل هذه الدماء على يد الأسد بدعم إيراني، أنه غادر دمشق بسبب ضغوط الأسد عليه! والآن يعلن غازي حمد نائب وزير خارجية حماس، وعبر صحيفة «الديلي تليغراف» البريطانية، أن علاقة حماس مع إيران «سيئة» حيث أوقفت طهران دعمها المالي لحماس بسبب عدم وقوفها مع الأسد، وهناك تسريبات من حماس أيضا أن حزب الله يضايقهم في لبنان، ويأتي كل هذا في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة «القبس» الكويتية أن مشعل وصل للكويت ليبحث فيها أوضاع غزة ولشرح «الظروف الإنسانية الصعبة، التي يمر بها القطاع وآلية تقديم الدعم المادي»!

وليس الغرض هنا الحديث عن المنقلبين على الأسد وإيران الآن، والتذكير بما قلناه منذ سنوات عنهم، فالحمد الله الذي قضى بكشف زيف حزب «المقاومة» و«الممانعة» بأسرع مما نتخيل، فالقصة الآن، والرسالة الأهم، فيما يجب أن تعنيه هذه الانقلابات على إيران الآن لساكن البيت الأبيض. أولم يحن الوقت ليتعلم الرئيس الأميركي ولو درسا واحدا من دروس منطقتنا الكثيرة في بحر العامين الماضيين؟

أبسط مثال هنا هو انفراط عقد حلفاء إيران، وانكشاف حزب الله حتى قبل سقوط الأسد، فكيف سيكون الحال بعد سقوطه؟ وليس القصد هنا بالطبع أن إسقاط الأسد سيكون بمثابة لي ذراع للفلسطينيين، مثلا، وإنما لتقوية معسكر الباحثين عن سلام حقيقي. فإشكالية الرئيس أوباما أنه أضاع، ويضيع، فرص العمر بهذه المنطقة، وليس بالعامين الماضيين وحسب، فقد أضاع الفرصة أيام الثورة الخضراء في إيران، وأضاعها يوم استقبلته المنطقة بأذرع مفتوحة بعد خطاب القاهرة المنمق بلا أفعال، وأضاعها حين باشر إلى هرولة غير محسوبة للخروج من العراق، ودون ضمان إرساء قواعد للعملية السياسية هناك. كما أضاع أوباما الفرصة أوائل الربيع العربي حيث كان بمقدور أميركا، والمجتمع الدولي، اشتراط قواعد واضحة للعملية السياسية على القوى الصاعدة بدلا من تسهيل الطريق للإخوان المسلمين، وتمكينهم على بياض! واليوم ها هو أوباما يضيع سوريا والسوريين، ومستقبل المنطقة، حيث لم يستوعب أوباما للآن أن الأسد هو وتد خيمة التآمر والشر بمنطقتنا، وأقل ما يستحقه هو المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، وليس التمثيل في «جنيف2»!

ومن هنا، وبانشقاق مشعل عن الأسد وإيران، ولا ندري متى ينشق إخوان مصر عن طهران، تكون الثورة السورية قد قدمت الدليل تلو الآخر للرئيس أوباما على ضرورة التحرك لاقتلاع أسوأ طاغية بمنطقتنا، فمتى يعي أوباما أن سقوط الأسد يعني سقوط المشروع الإيراني العدواني بالمنطقة؟
عبدالله هادي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-2013, 03:32 AM   #106
عبدالله هادي
أبو بنان
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,216

 
افتراضي فـائـق مـنـيــف

استهلاك المثقف الخليجي للآيديولوجيات

المثقف الخليجي ليس معزولا عن عالمه المحيط القريب منه والبعيد، فهو يتأثر بالتيارات والحركات التي تنمو في العالم العربي ويتفاعل معها، لكن هذا التفاعل ظل في معظمه فعلا استهلاكيا، يستورد الأفكار كما هي من مصادرها دون النظر إلى الاختلافات التي تميز المنطقة عن غيرها من مناطق العالم العربي. كان التعامل معها أشبه ما يكون بوكالات السيارات وغيرها من المنتجات المستوردة، فالمثقف أو مجموعة المثقفين يصبحون وكلاء ومكاتب فرعية لتنفيذ واتباع أجندات الحزب أو التيار الأم وسياساته، في الوقت الذي ينظر فيه إليهم ربابنة الحزب على أنهم مجموعة من «العربان» يتصفون بالولاء المطلق والحماس، وأهم من ذلك كله توفر المال، وهي النظرة الاستعلائية الازدرائية التي استدعتها أبواق النظام السوري من أدبياتها الحزبية البعثية بعد وقوف الحكومات والشعوب الخليجية ضد تقتيل النظام الغاشم لشعبه.

التجربة التي ربما شذت عن هذه العلاقة الاستهلاكية هي تجربة الدكتور أحمد الخطيب مع حركة القوميين العرب، حين ساهم في تأسيسها في الخمسينات مع جورج حبش ووديع حداد ومجموعة من طلاب الجامعة الأميركية في بيروت، وتولى مسؤولية فرعها في الكويت، ولم يدُم هذا الارتباط، فقد انفصل فرع الكويت عن الحركة لتخليها عن التوجه القومي وتبنيها النزعة الثورية.

ازدهرت القومية العربية بين شباب تمايل مع موجات إذاعة «صوت العرب» التي عبرت إلى شواطئ الخليج، كانت الخطب الحماسية والقصائد والأغاني كفيلة بإيقاد الحماس في قلوب تحتاج إلى أي حاضنة فكرية لتفرغ فيها طاقات عقولها وعواطفها. وانتهى الحال إلى اختزال القومية في الناصرية، ففي ثقافة «التصنيم» لا بد من شخصية تعلق عليها أحلام الشعوب، ورغم انهيار الأحلام بعد «نكبة حزيران» فإن بعض الناصريين الخليجيين لا يزالون حتى الآن على عشقهم القديم، إما لطبع الوفاء والولاء سابق الذكر وإما هو مجرد حنين إلى عنفوان الشباب.

ودخلت الشيوعية والماركسية من الباب الخلفي للخليج، فنشأت في السبعينات والثمانينات أحزاب سرية، منها «حزب العمل الاشتراكي» و«الحزب الشيوعي»، وكان المنتمون إليها يحملون أسماء حركية. ووجد حزب البعث العربي الاشتراكي موطئا له عن طريق وافدين عرب وطلاب خليجيين في جامعات عربية تولوا تأسيس مكاتب للحزب في بعض دول الخليج.

وتعد التيارات والحركات الواردة أعلاه في عداد الموتى، فلم تعد شعاراتها تدغدع مشاعر المتطلعين إلى نهضة الأمة وإنقاذها مما هي فيه من هوان، ولم يعد لها مناصرون سوى عشاق الأطلال، ولكن مع ذلك لا يزال لها بقايا مخزونة في العقل الباطن للجماهير، تستيقظ مع أي حلم أو سراب يداعب عطشها للكرامة والانتصار. ومن هذا السراب «محور المقاومة» الذي انخدع به بقايا القوميين وأغرار المثقفين. أعلن حزب الله أحد أعمدة المحور بوضوح تبعيته لإيران على لسان أمينه حسن نصر الله حين قال قديما: «ومشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره - كوننا مؤمنين عقائديين - هو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما يكون جزءا من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني»، ومع ذلك صدّق بعض مثقفي الخليج وهْمَ مقاومته لإسرائيل التي لم تحصد سوى دمار البنية التحتية للبنان وزيادة القوة العسكرية لحزب الله الذي يقاتل الآن بالنيابة عن إيران في سوريا.

ومن التيارات الفكرية الإسلامية المستوردة جماعة الإخوان المسلمين التي نشر فكرها في أوساط الخليج بعض الإسلاميين الفارين من ملاحقة أنظمة بلدانهم البعثية والاشتراكية. تأسست جمعيات في الكويت والبحرين كغطاء وواجهة دعائية للجماعة، وأصبح لها أنصار وداعمون. وبرزت جماهيرية الجماعة في وسائل التواصل الاجتماعي بعد فوزها بالانتخابات المصرية، فلم يتعامل أنصارها معها على أنها حزب سياسي، بل على أنها ممثل للإسلام، لا يجوز تخطئته ونقده، وتولوا الدفاع عنها والرد على منتقدي أدائها بحماس وجدية تفوق أعضاءها. وإذا كان لفكر «القاعدة» الإرهابي أن يعد نوعا من الآيديولوجيا، فحتما سيضاف إلى المستوردة منها، فقد ذهب خليجيون للجهاد في أفغانستان وعادوا بعد اختلاطهم بجماعات عربية متشددة بصفقة استيراد لفكر التكفير والتفجير مما لم يكن معروفا قبل ذلك في الخليج لا دينا ولا عرفا ولا ثقافة.

ليس هدف المقال الدعوة للانغلاق والانكفاء على الذات وعدم الاستفادة من الأفكار والنظريات النافعة، وإنما من الخطأ اعتبارها وصفة علاجية شاملة للمشكلات الراهنة. إن التعامل معها بعقلانية يستوجب أخذ مزاياها وتجنب عيوبها وإضافتها إلى الحلول الفكرية المبنية على استقراء متأنٍّ للوضع القائم، يأخذ في الاعتبار خصائص المنطقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. استيراد الآيديولوجيا كما هي دون النظر إلى هذه الخصائص ودون تطوير وتعديل هو أشبه ما يكون بجلب دب قطبي ليعيش في الربع الخالي.
عبدالله هادي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-2013, 03:38 AM   #107
عبدالله هادي
أبو بنان
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,216

 
افتراضي سـعــود كـابــلـي

دول الخليج.. قلق الجغرافيا وانعكاساتها


هل يعكس شعار «خليجنا واحد» حقائق الجغرافيا السياسية لمنطقة الخليج العربي؟

يبرز هذا السؤال بقوة عند الحديث عن منطقة مجلس التعاون الخليجي كوحدة سياسية، وتزداد أهمية السؤال في ظل حالة عدم اليقين السياسي (political uncertainty) التي أوجدها الربيع العربي.

تبدو منطقة الخليج العربي واحدة بالفعل في حال اعتبار عامل الاشتراك التاريخي والثقافي والاجتماعي بين دوله، ويمكن حتى في هذه الحالة اعتبار اليمن ومناطق من العراق امتدادا حتى بادية الشام جزءا لا يتجزأ من وحدة ثقافية وتاريخية واحدة ترتبط بمنظومة قبائل شبه الجزيرة العربية. على أن عامل الارتباط الثقافي واللغوي (تشابه اللهجة) لا يشكل في حد ذاته أساسا قويا لنشوء وحدة سياسية تعبر عن ذات المصالح والتطلعات، وهذا ما يقود للسؤال حول مدى تعبير شعار «خليجنا واحد» لحقائق الجغرافيا السياسية لمنطقة الخليج ووحدته السياسية المتمثلة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي أنشئ عام 1981، خاصة أن دول الخليج تقف اليوم أمام استحقاق فكرة التحول لاتحاد خليجي في ظل كل الظروف الداخلية والإقليمية المحيطة بها.

تكشف الجغرافيا السياسية لدول التعاون الخليجي عن وجود ثلاث معضلات رئيسة تواجهها منطقة الخليج اليوم:

أولا: قضية المياه: ينعكس ارتباط دول الخليج العربي في واقع الأمر بمضيق هرمز أكثر من ارتباطهم بالخليج كمسطح مائي، ويمر من مضيق هرمز ما يقارب 20 في المائة من إنتاج النفط العالمي بشكل يومي (90 في المائة من إنتاج نفط الخليج)، ما يجعل مضيق هرمز نقطة الاختناق المائي الأهم في العالم، ورغم إطلالة عمان على الخليج من خلال رأس مسندم، إلا أن سلطنة عمان تختلف عن باقي دول مجلس التعاون في كونها الدولة الخليجية الوحيدة التي تملك إطلالة على بحر العرب، وبالتالي المحيط الهندي. هذا الأمر خلق لعمان بعدا استراتيجيا مغايرا لبقية دول الخليج، وبالأخص فيما يتعلق بالتهديد الإيراني لمضيق هرمز، فعلى العكس من بقية دول الخليج لم تر عمان في الوجود الإيراني في الخليج نوعا من التهديد؛ كون عمان بطبيعتها الجغرافية تنفتح نحو جنوبها حيث المحيط الهندي؛ لذلك انتهجت عمان على مدى العقود الماضية سياسة مغايرة تجاه إيران لتلك التي اتبعتها دول الخليج، حيث يتغير مصدر التهديد الإيراني لهم ليتحول إلى فرص يمكن استغلالها. وهذا ما يجعل عمان (ثاني أكبر دول مجلس التعاون من حيث المساحة والسكان) تتبع منظومة مصالح متباينة عن بقية دول الخليج.

ثانيا: الأطراف: تشكل شبه الجزيرة العربية بطبيعتها رأسا ممتدا في الماء بحدود بحرية طبيعية، وباستثناء اليمن الذي يقبع في خاصرة السعودية حيث تمتد عروق جبال السروات من جنوب المملكة حتى اليمن، تتمتع دول مجلس التعاون بوجود حاجز جغرافي طبيعي متمثل في الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر، من جهة أخرى تمثل الأراضي الصحراوية شمال الجزيرة حاجزا طبيعيا لهذه البقعة الجغرافية باستثناء الانكشاف الكويتي أمام مناطق جنوب العراق، وهو ما يجعل كلا من اليمن والعراق دولتي الأطراف التي يتوجب على دول الخليج التعامل جيو - سياسيا معها (من جهة أخرى يمثل الأردن المنطقة العازلة التي تحجز الانكشاف السعودي أمام إسرائيل).

تنطلق سياسة السعودية نحو اليمن من أساسيات التلاصق الجغرافي، في المقابل تفصل صحراء الربع الخالي بين مناطق التوتر في اليمن وعواصم دول المجلس المطلة على الخليج العربي، وهو ما جعل بقية الدول الخليجية تتبع سياسة مغايرة أدنى في سلم الأولويات عن سياسة السعودية فيما يخص اليمن بشكل عام.

ثالثا: الأحجام: تشكل دول الخليج الخمس مجتمعة نحو 18 في المائة فقط من مساحة السعودية، ولذلك فإن التوازن الجغرافي بين ضفتي الخليج هو في واقع الأمر توازن بين كل من السعودية وإيران (التي تبلغ مساحتها نحو 1.6 مليون كم مربع، بينما السعودية نحو 2.2 مليون كم مربع). لكن تظهر معضلة الأحجام مقابل إيران في عدة نقاط أخرى، ففي حين يبلغ تعداد السكان في إيران نحو 73 مليون شخص، يبلغ تعداد السكان في دول الخليج الست مجتمعة نحو 43 مليون شخص بمن فيهم العاملون الأجانب، وتشير الأرقام إلى تجاوز الأجانب في دول الخليج أكثر من نصف السكان باستثناء السعودية وعمان (حيث النسبة في كليهما نحو 30 في المائة، بينما تصل نسبة الأجانب في قطر لنحو 85 في المائة والإمارات والكويت نحو 70 في المائة).

ورغم تقدم الجيوش الخليجية من جهة التقنية العسكرية فإن الجيش الإيراني الذي يملك تعدادا قوامه نصف مليون شخص يمثل ضعف التعداد العسكري لدول الخليج مجتمعة. إضافة لذلك تعاني دول الخليج من حتمية جغرافية (geographic imperative) متمثلة في غياب مصادر المياه المتجددة على العكس من إيران، وهو ما يضعف قدرات دول الخليج على توفير المياه، وبالتبعية توفير الغذاء، وتشير الأرقام إلى أن المخزون الاستراتيجي للمياه في حالة الطوارئ بدول الخليج يكفي لعدة أيام فقط (5 أيام في الكويت، 3 أيام في السعودية، ويومين في قطر والإمارات)، وباستثناء السعودية التي تملك شاطئا يمتد إلى أكثر من 1000 كيلومتر على البحر الأحمر، وعمان التي تملك شاطئا على بحر العرب، فإن بقية دول الخليج التي تعتمد بشكل شبه كلي على تحلية مياه الخليج تقع مرافقها تحت التهديد المباشر لإيران.

هذه المعضلات أثرت بصيغة أو أخرى على تركيبة العلاقات والسياسات في دول مجلس التعاون، ومن ثم فإن أي محاولة للتأثير على هذه التركيبة مستقبلا بالإيجاب لا بد أن تتنبه لهذه المعضلات والعوامل التي تؤثر على صياغة القرار الخليجي كما نراه اليوم. للحديث بقية.
عبدالله هادي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-06-2013, 03:40 AM   #108
عبدالله هادي
أبو بنان
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,216

 
افتراضي أحــمــد عـبــد الـمـلـك

هل تتطور علاقات مجلس التعاون مع إيران؟


ظلت إيران على الدوام ترفع لواء تحرير فلسطين والقدس، في الوقت الذي تمارس هي الاحتلال للأراضي العربية منذ أكثر من أربعين عاما. وكانت تربط عداءَها للولايات المتحدة بأي حوار ممكن حول نزاع احتلالها لجزر الإمارات بالطرق السلمية.

وفي واقع الأمر فإن ادعاءات إيران بأن بريطانيا قد تنازلت لها عن الجزر الثلاث قبل إنهائها للمعاهدات مع دولة الإمارات وانسحابها من المنطقة عام 1971، غير واقعية لأن بريطانيا لم تكن لديها السيادة على المنطقة، رغم معاهدات الحماية التي أنهيت في حينه. كما أن (الشارقة) و(رأس الخيمة) لم تتنازلا عن سيادتهما عن الجزر الثلاث، حتى مع توقيع الاتفاق المبرم بين الشارقة وإيران! وبذلك لا يجوز لإيران احتلال الجزر بالقوة من دون أن يكون لديها سند قانوني أو دولي يمكنها من السيادة على الجزر الثلاث.

ولقد توالت الإجراءات الاستفزازية الإيرانية حتى بعد قيام مجلس التعاون عام 1981. ففي عام 1993 أجاز البرلمان الإيراني قانونا يمنع الحكومة من بحث السيادة على أي جزء من «أراضي الأمة»، بما في ذلك الجزر.

في مقابل ذلك، وفي ذات العام دعا الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تطوير علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، بما يعزز الثقة، و«بما تتخذه الجمهورية الإسلامية الإيرانية من إجراءات تنسجم مع التزامها بمبادئ القانون الدولي والمواثيق الدولية، واحترامها لسيادة ووحدة أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة، ولمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى».

وردّ الرئيس الإيراني آنذاك (هاشمي رفسنجاني) على تلك الدعوة الهادئة والعاقلة بالقول: «إن من يحاول استعادة هذه الجزر عليه أن يخوض إليها بحرا من الدماء»؟!. لكن يبدو أن الرجل قد أعاد حساباته وعدّل قليلا من مواقفه تجاه مجلس التعاون.

دخل مجلس التعاون على خط النزاع وقوفا مع دولة الإمارات العربية المتحدة منذ الدورة الأولى لقمة أبوظبي عام 1981، حيث أكد قادة دول المجلس على أن «أمن المنطقة واستقرارها إنما هو مسؤولية شعوبها ودولها، وأن هذا المجلس إنما يعبّر عن إرادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها. كما أكدوا رفضهم المطلق لأي تدخل أجنبي في المنطقة، مهما كان مصدره. وطالبوا بضرورة إبعاد المنطقة عن الصراعات الدولية، وخاصة وجود الأساطيل العسكرية والقواعد الأجنبية لما فيه مصلحتها ومصلحة العالم».

لكن الأحداث التي واكبت قيام المجلس غيّرت من خريطة التفاؤل، خصوصا الحرب العراقية الإيرانية، والتي ظل مجلس التعاون يطالب على الدوام بضرورة إيجاد حل سلمي لها. كما دعا المجلس في قمة الكويت عام 1994 إيران إلى أن «تساهم بالجهود التي ترمي إلى إيجاد حل يقوم على مراعاة حقوق الطرفين». وخلال السنوات التي تلت، ظلت لهجة (الخليجي) متزنة وواقعية لإنهاء تلك الحرب المدمرة، من أجل تحقيق تسوية شاملة ودائمة وعادلة للنزاع.

برزت قضية احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث من جديد بعد الإجراءات التي قامت بها إيران في جزيرة (أبو موسى) عام 1992، حيث عبّر المجلس عن «أسفه الشديد وقلقه البالغ للإجراءات الإيرانية غير المبرَرة، لما فيها من إخلال بالرغبة المعلنة لتطوير العلاقات بين الجانبين، وتعارض مع المبادئ التي تقوم عليها العلاقات بين دول المجلس والجمهورية الإسلامية الإيرانية».

وقد أقدمت إيران حينها على طرد العمال العرب والأجانب وأبناء الإمارات المقيمين في جزيرة (أبو موسى)، في الوقت الذي طرحت فيه دولة الإمارات – على منبر الأمم المتحدة – قضية احتلال إيران لجزرها الثلاث، وأعلن وزير الخارجية آنذاك (راشد بن عبد الله) أن دولة الإمارات العربية المتحدة ما زالت مستعدة لتسوية هذه المسألة بالطرق السلمية المنصوص عليها في المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة، مع الأخذ بعين الاعتبار سيادة دولة الإمارات على الجزر الثلاث.

وظلت القضية عالقة حتى يومنا هذا. وظلت لهجة (الخليجي) هادئة نحو إيران، وبتأييد كامل لحق دولة الإمارات في جزرها الثلاث. وزاد من التوتر زيارة الرئيس (أحمدي نجاد) لجزيرة (أبو موسى) العام الماضي، وهي أرض محل نزاع. كما قامت إيران بمناورات عسكرية ضخمة في مياه الخليج في استعراض للقوة مقابل الدعوة الخليجية لحل نزاع الجزر المحتلة بالطرق السلمية.

وزاد من توتر العلاقة بين مجلس التعاون وإيران دخول هذه الأخيرة الحرب الدائرة في سوريا ووقوفها مع النظام السوري ضد تطلعات الشعب السوري في الكرامة والحرية! وهو مسعى طائفي أكدهُ وجود مقاتلين ومنسقين إيرانيين يعملون مع الجيش السوري. كما أيدته شحنات الصواريخ الإيرانية المرسلة إلى (حزب الله) والتي قصفتها إسرائيل قبل فترة. كما ينظر مجلس التعاون بعين القلق إلى الدور الإيراني في العراق، ومحاولة إيران تدعيم النزاع الطائفي في هذا البلد.

كما ظلت الولايات المتحدة - التي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع دول مجلس التعاون - البعبع الأكبر لإيران، التي ما انفكت تناجزها وتهدّد بضرب مصالحها في المنطقة، في إشارة إلى حلفائها في دول المجلس.

إذن، يُفهم من هذا التأريخ السياسي الموجز أن إيران لم تبد أية مبادرة طيبة نحو حل النزاع مع دول المجلس، إلا إذا استثنينا عهد (محمد خاتمي) الذي حاول فتح صفحة جديدة في علاقات إيران مع دول المجلس، باتجاه تعديل أو تطبيع علاقاتها مع دول المجلس.

فهل يُقدم الرئيس الإيراني القادم على فتح صفحة جديدة؟! خصوصا أن مرشح الرئاسة (رفسنجاني) قد أشار إلى أن إيران بحاجة لبناء الدولة، وأن «سوء الإدارة في بلدنا دمرّ كل شيء»! وهل سيظهر من الـ(650) مرشحا من يقرأ أوراق التاريخ بوضوح؟! وهل من مصلحة إيران أن تبقى معزولة عالميا ومرفوضة إقليميا؟ وهل سيطول (نفس) الشعب الإيراني أكثر ويتحمل هذه الحالة غير الطبيعية في اتجاهات السياسة الإيرانية؟!
عبدالله هادي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-06-2013, 03:06 AM   #109
عبدالله هادي
أبو بنان
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,216

 
افتراضي عـبـد الـرحـمـن الـراشـــد

عقوبات الخليج ضد حزب الله


مصالح حزب الله في المنطقة العربية، وتحديدا دول الخليج العربية، ليست بالصغيرة. الحزب، الذي أصبح مبغوضا، ربما أكثر من إسرائيل، له صلات عريقة وعميقة في المنطقة من خلال تعاملات شركات تعمل له هناك تحت أغطية مختلفة. وقد أظهرت عمليات الملاحقة له في الولايات المتحدة، تعدد تجارة حزب الله هناك، من تهريب السجائر إلى تحويل الأموال، مع شبكات معقدة من الأفراد الذين يستخدمون لأغراض اقتصادية وبعضها سياسية.

ودول الخليج الست ليست متشابهة في درجة تعاملاتها مع حزب الله؛ هناك السعودية والإمارات والبحرين أكثر تشددا، ورقابة للتعاملات. أما الكويت أكثر دول الخليج تساهلا مع حزب الله، ولها شركات ومجموعات اقتصادية تنشط تجاريا وإنشائيا في مناطق حزب الله في لبنان. وليس لقطر شركات تجارية كما هو الحال في الدول الخليجية بمعناها المتعدد والكبير، لكن قطر كانت أكثر الدول الخليجية دعما ماديا وسياسيا لحزب الله عقدا كاملا، هذا كان قبل الثورة السورية ومن المستبعد أن يكون قد بقي شيء من هذه العلاقة الخاصة. سلطنة عمان أكثر الدول الست حذرا بشكل عام مع كل الدول المشتبه فيها دوليا.

ومع أن حزب الله متورط في أعمال إرهابية ضد الكويت والسعودية والبحرين منذ عقود إلا أن هذه الدول لم تفعل شيئا ضده. حزب الله تورط بشكل كامل في محاولة اغتيال أمير الكويت بتفجير سيارة مفخخة عام 1985. المدان الرئيس في تلك الجريمة مصطفى بدر الدين، هو الفاعل وهو أيضا المطلوب للمحكمة الدولية في اغتيال رفيق الحريري. المفارقة أن صدام حسين أطلق سراحه بعد اجتياحه الكويت لخمس سنوات لاحقة! أيضا، قام فريق من حزب الله بخطف طائرة كويتية في مسقط وقتل راكبين كويتيين. وتم ضبط مخططات إرهابية لحزب الله في أعمال إرهاب في السعودية والبحرين، وكلها ذهبت بلا عقوبات. فقط الولايات المتحدة التي صنفت حزب الله منظمة إرهابية مبكرا، وذلك في عام 1995 ووضعته على لائحة العقوبات. دول الخليج اختارت السكوت عن جرائم الحزب ضد حكوماتها ومواطنيها لأنه كان يصنف منظمة مقاومة ويحظى بشعبية في الشارع العربي، في حين كان دائما ذراعا للحرس الثوري الإيراني. أيضا، رغبت هذه الدول في الحفاظ على التوازن بين القوى في لبنان، وأبقت على علاقة تمثل الحد الأدنى مع حزب الله دعما للسلم الأهلي هناك.

أخيرا، قررت دول الخليج تصنيف حزب الله منظمة إرهابية بعد أن أصبح طرفا رئيسا في قتل آلاف المدنيين في سوريا، يحارب إلى جانب نظام بشار الأسد. ومع أنها خطوة متأخرة إلا أنني أشك أنه سيتم تطبيقها حقا على مستويات مختلفة، وستبقى قرارا سياسيا.
عبدالله هادي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-06-2013, 03:08 AM   #110
عبدالله هادي
أبو بنان
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,216

 
افتراضي حـسـيـن شـبـكـشــي

قهوة تركي.. سادة!


منذ اندلاع مظاهرات اسطنبول والكثيرون يحاولون تفسير ما حدث ومحاولة «فهم» أسباب قيام الأتراك بالتظاهر ضد حكومتهم. ظاهريا وبحسب المعلن، فإن الأتراك قاموا بالتظاهر احتجاجا على قيام الحكومة التركية بنزع مجموعة من الأشجار في حديقة عامة لأن المكان سيحل محله موقع تجاري ويعاد أيضا فيه بناء قلعة عثمانية أثرية قديمة. هذه هي الأسباب «الأساسية» التي جرى تناقلها وتداولها لتفسير ما حدث. وانقضت بعض أحزاب المعارضة في لحظة «ثأرية» لتركب الموجة وتستغل الظرف لتنادي بتغيير النظام، ودخل على الخط بكل عنجهية النظام الكاريكاتيري في سوريا بزعامة بشار الأسد معلقا بأن نظام أردوغان يتعامل مع شعبه بكل عنف وعليه أن يستجيب للمطالب ويتنحى، وأضاف بعد ذلك أن سوريا تنصح وتحذر مواطنيها بعدم الذهاب إلى تركيا وذلك لخطورة الوضع وأن سلامتهم ستكون معرضة للخطر الشديد. ولا يمكن التعليق على تصريحات حكومة الأسد إلا كما قال أحد السوريين لي وهو يتابع ذلك على القنوات الإخبارية الفضائية قائلا: «يخرب بيتن.. شوغلاظ وبلا ناموس»، ولكن هل «مظاهرات» الأتراك طبيعية، ثورة، أم هناك دوافع خارجية لذلك؟ بلد يحقق مداخيل اقتصادية محترمة، وتم رفع متوسط دخل الفرد فيه من 3 آلاف دولار إلى 11 ألف دولار خلال عقد من الزمان، وفي وقت تحولت فيه بالتدريج تركيا من ذيل القارة الأوروبية إلى قائدة للعالم الثالث، وباتت الصناعات التركية مضربا للأمثال في الجودة والسعر والإتقان، وكذلك الأمر بالنسبة للخدمات التركية التي جعلت تركيا مقصدا سياحيا أساسيا، وكذلك تحولت خطوط طيرانها إلى إحدى أهم الناقلات الجوية في العالم وانعكس ذلك الأمر بشكل واضح على قطاعات أخرى في تركيا، لينتشر المطبخ التركي بشكل مدهش وهو المعروف بأطباقه الطيبة، وكذلك انتشرت المسلسلات التركية والموسيقى والكتب الأدبية حتى نال أحد أبرز كتابها جائزة نوبل في الآداب، وأصبحت فرقها الكروية من أهم الأندية الرياضية في القارة الأوروبية العتيدة. وبالتدريج قويت تركيا ونضجت سياسيا وتمكنت من تبوؤ مكانتها بجدارة وسط أهم عشرين قوة اقتصادية حول العالم، ونالت احترام العالم وتقديره، وحلت ببراعة مشكلة «الأكراد» المعقدة وسحبت التسليح منهم وأنهت الخيار العسكري معهم، ليكون الحل السلمي المسلك الوحيد للحل، وهي المسألة التي كادت تهلك الأمن والسياسة التركية.

ودخلت تركيا منذ سنتين وبقوة من باب مسؤولية «نصرة الجار» في دعم الثورة السورية التي قامت ضد نظام بشار الأسد الإجرامي ونصحت الرئيس السوري بشار الأسد المرة تلو الأخرى ولم ينصع، وتحول هو ونظامه إلى آلة قتل بحق شعبه حتى تجاوز عدد من قتلهم المائة ألف، ولم يكتف بذلك بل استعان بقوات مأجورة مثل ميليشيات حزب الله وقوات من إيران والعراق ليساعدوه في مهمته الدموية، وساعدت تركيا اللاجئين والنازحين السوريين لديها ودفعت الثمن باضطرابات على حدودها وإطلاق صواريخ عليها وإسقاط طائرات لها واغتيال جنودها.

الجهتان الوحيدتان المستفيدتان من أحداث تركيا (إن لم نقل المتعاونتان في هذه الأحداث) هما نظام بشار الأسد وإسرائيل، وهما متفقان معا بشكل غير مباشر على أن نظام الأسد وأمنه من أمن إسرائيل، قالاها في أكثر من مناسبة بأشكال مختلفة. واليوم في تركيا «يجري» تحريك عناصر غريبة من مناطق محددة (بقيادة علوية من حزب معارض) وهذه القيادة تقف بقوة ضد مساندة ثوار سوريا وتصر على تأييد الأسد.

قد يكون في هذه الخلفية تفسير لما حدث في تركيا وإدراك أن خبث نظام الأسد كالسرطان، كما طال جيرانه في العراق والأردن ولبنان يطال أيضا تركيا وخصوصا حينما ندرك أنه لا يتحرك وحده ولكن تسانده جيوش أخرى من الشر.
عبدالله هادي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:45 PM. حسب توقيت مدينه الرياض

Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.