الشيخ ابن منيع: لا أبيح التأمين التعاوني ولا أحرمه وحكمي النهائي في وقته

[ابوفهد]

مع بدء العد التنازلي لتطبيق نظام التأمين في المملكة خصوصا في المرحلة الاولى من التأمين الصحي على المقيمين تناول الشيخ عبدالله بن منيع ليلة اول من امس في مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الاسلامية بالرياض وامام جمهور غفير غصت به جنبات القاعة "مفهوم التأمين بين الاباحة والتحريم".
واعتبر الشيخ ابن منيع ان التأمين على الاموال والمنافع وغيرها وسيلة من وسائل حفظ المال ورعايته والتعويض عنه في حال تلفه او ضياعه.. ممهدا لذلك بأن الاسلام ينظر الى المال كوسيلة وليس غاية وان الاسلام ينظرالى المال نظرة تقدير واحترام وانه من الامور التي تعين الانسان على تحقيق حكمة خلقه ووجوده في الحياة فهو قيام الحياة الدنيا وزينتها قال تعالى {ولاتؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما}.
ودعوة الاسلام الى العناية بالمال وحفظه وعدم تمكين السفهاءمن وجوده في ايديهم ووضعه تحت ايد امنية اذا كانوا ما يمكن له تقوم باستثماره وتنميته.. وانفاقه في الوجوه الشرعية من غير تقتير ولا اسراف..
وان يكون الحصول على المال خاليامن التعدي واخذ اموال الناس بالباطل كأن يكون عن طريق الربا او القمار او الغرر او الجهالة او المتاجرة بتأليف وتشويه كتب الضلال والبدع وكذلك الاسلحة في اوقات الفتن او بما يعود على العقول بالخلل كالمتاجرة بالخمور والمخدرات او في الفحشاء والبغي والزنا.. وملاهي الليل وما يدعو الى الفسق والفجور وان كل ما تم تحصيله عن طريق غير مشروع فهو سحت وباطل.
كما تطرق الى نظرة الاسلام في تفتيت الثروات وتوزيعها بين اكبر عدد مستحق كي لايكون دولة بين الاغنياء المسلمين واتخذ لذلك مجموعةمن التشريعات في سبيل توزيع الثروات كالزكاة والصدقات والصلات والنفقات والهدايا.. والانفاق في سبيل الله والصدقات الجارية والوصايا ثم بعد الممات توزيع الباقي على الورثة كل حسب حصته.. وان الاسلام ضد تكدس الاموال في ايدي قلة من الناس..
كما عني بحفظ المال عن طريق وسائل الاثبات كالرهن والضمان.. والاعتمادات المستديمة وحفظه في الخزائن او الودائع في البنوك وان من بين الوسائل هذه (التأمين) على الاموال والمنافع بما يتوفر معه وعن طريقه الامن والامان والسلامة من ضياع المال او تلفه حيث يقوم التعويض مقامه في حال تلفه او ضياعه.
واعتبر الشيخ ابن منيع ان التأمين من المسائل المستجدة وان اول من ذكره من الفقهاءابن عابدين رغم قوله بكراهته.
وتطرق الى عدد من الاحكام والرؤى تجاه التأمين من بينها :
1- ما قال به الشيخ مصطفى الزرقاء - رحمه الله عام 1362هـ في اسبوع الشيخ ابن تيميةفي دمشق (باباحته مطلقا) اي التأمين.
2- وتساوي الاراءبين الجوز والتحريم عندما بحث التأمين في مجمع البحوث الاسلامية في القاهرة عام 1365هـ.
3- فتوى شيخ الازهر جاد الحق عام 1390هـ بتحريم التأمين التجاري, لما فيه من الربا والغرر والقمار.
4- ما صدر عن مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة عام 1397هـ بتقسيم التأمين الى تأمين تعاوني مباح وتأمين تجاري محرم.
5- قرار المؤتمر العالمي في مكة المكرمة عام 1386هـ بتحريم التأمين التجاري.
6- قرار مجمع الفقه الاسلامي (رابطة العالم الاسلامي عام 1397هـ) والذي انتهج المسلك الذي اخذ به مجلس هيئة كبار العلماء باباحة التعاوني وتحريم التجاري.
7- قرار مجمع الفقه الدولي بجدة عام 1406هـ مثل قرار هيئة كبار العلماء.
8- قرار الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار عام 1411هـ بجواز التأمين مطلقا التعاوني والتجاري.
9- الفتوى الصادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث والافتاء بتفسير قرار هيئة كبار العلماء فيما يتعلق بالتأمين التعاوني وان المقصود به ايجاد جمعية تعاونية معروف اعضاؤها يقومون بجمع مال منهم يستثمر ويخرج منه ما تقتضيه الحوادث عليهم وان التطبيق الحالي للتأمين التعاوني من قبل شركات التأمين التعاونية غير صحيح وان هذه الشركات تتفق مع شركات التأمين التجارية في العناصر الاساسية في التأمين وانها بذلك تتفق مع التجارية في الحكم بالتحريم.
بعد ذلك تطرق الشيخ ابن منيع الى التأمين التعاوني ومستند القول بجوازه لدى القائلين به وانه يعتمد في اجرائه وترتيب احكامه على ما يعتمد عليه التأمين التجاري حيث ان التأمين مطلقا يعتمد على خمس ركائز هي:
المؤمن, المؤمن له, محل التأمين, القسط التأميني, التعويض في حال الاقتضاء.
وان القائلين بالتفريق بينهما يقولون باختلاف التعاوني من التجاري في ان الفائض من التزامات صندوق التعاوني يعود الى المشتركين كل بحسب نسبة اشتراكه.. وانه تعاون على رأب الصدوع وجبر المصائب وما زاد عن ذلك رجع اليهم وما ظهر من عجز تعين عليهم سداد كل بحسب نسبة اشتراكه.
اما التجاري فان الفائض من صندوقه يعد ربحا لشركة التأمين التجارية وفي حالة العجز يعتبر خسارة على شركة التأمين.
ويرى الشيخ ابن منيع ان دعوى اختلاف النوعية في موضوع الفائض غير صحيحة.. فهو في القسمين ربح او خسارة.. ويتفقان في ابتغاء الربح. ثم افاض الشيخ في ما قيل بأن التجاري يتمثل على الربا والغرر والقمر وغيره واثبت ان لافرق بينهما وانه على افتراض ان التأمين التجاري ينطوي على الربا والقمار فان التعاوني يصب في نفس الحوض حيث اهل هذا القول يقولون بأن على التأمين التجاري بأن المؤمن له يدفع اقساطا تأمينية هي اقل بكثير مما قد يدفع له تعويضا في حال الاقتضاء وليس تقابض العوضين في مجلس واحد وانما احد العوضين يتسلم قبل تسلم العوض الاخر ان كان بوقف طويل فهو عين الربابقسميه ربا الفضل وربا النسيئة.
ويرد الشيخ ابن منيع على ذلك بأن التعاوني يسلك هذا المسلك حذو القذة بالقذة ومن يفرق بينهما بدعوى التبرع او التعاون فتفريقه مردود عليه.
والقول بأن التأمين التجاري يشتمل على القمار حيث ان القمار يعتمد على غرم محقق وغنم محتمل حيث المشترك يدفع اقساط اشتراكة قطعا ولايدفع له التعويض عن الضرر الا في حال وقوعه ووقوع الضرر محتمل فقديقع ويدفع له مبلغ يفوق ما سبق منه دفعه وقد لايقع الضرر فتضيع مبالغه التي دفعها في شكل اقساط وهذا هو القمار غرم محقق وغنم محتمل ويناقش الشيخ ذلك بقوله ان التعاوني يتفق مع التجاري في هذا التصور فالمشترك فيه يلتزم بدفع اقساط التأمين بكل حال وقد ينتهي عقد التأمين معه دون ان يقع عليه ما يقتضي التعويض فهو يتفق في ذلك مع التجاري وبعد تفضيل في ذلك يرى الشيخ ابن منيع ان الواقع ان محل العقد في التأمين بقسميه انما هو ضمان الامن والامان والسلامة من ضياع المال او تلفه في الاقساط التأمينية ثمن للضمان وليس نقودا بنقود.. وليس هناك غارم وغانم وانما كلا الطرفين غانم فالمؤمن غانم للاقساط التي هي ثمن ضمانه السلامة والمؤمن له غانم السلامة سواءسلمت العين المؤمن عليها حيث كسب الطمأنينة والارتياح النفسي اثناء مدة عقد التأمين عليها وفي حال تلفها فهو كاسب التعويض عنها فهو سالم في حال السلامة او التلف.
وتطرق الى ما قد يثار من بعض الامور ككون الامن شيءمعنوي ورد عليه بأن الدول تشتري الامن وهو معنوي وتنفق مع وزارات الداخلية ثلث ميزانيتها.. ومثله في ذلك حقوق النشر والطبع وبراءات الاختراع وغيرها اقول بأن ليس هناك اجماع بين اهل العلم بمنع اخذ الاجرة على الضمان. وان اهل العلم يجيزون ضمان المجهول وضمان المعدوم. وان التأمين نازلة اقتصادية من نوازل العصر اقتضاها حماية المال وحفظه.
وقال ان التأمين موضوع ذو اهمية بالغة من حيث حصول البلوى له في غالب مجالات الحياة وانه نازلة يجب تكثيف الجهود لبحثها من ذوي الاختصاص واهل المقدرة الفقهية .
وتطرق الى ما قد يثار من بعض الامور ككون الامن شيء معنوي ورد عليه بأن الدول تشتري الامن والتصور والقدرة على تطبيق الاحداث والنوازل على احكامها الشرعية وان تكون ذلك في محيط قواعد الاسلام العامة وثوابته الجلية وفي محيط التطبيقات الميدانية مع الاخذ في الاعتبار والنظر ان الاصل في المعاملات الاباحة استئناسا بقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) (انتم اعلم بشئون دنياكم) وان ما تحقق به مصالح المسلمين وحفظ اموالهم امر مشروع مع التقيد بآداب النقاش والبحث عن الحقيقة بحيث يلتزم الباحث بالتجرد عن التعصب لقول معين حتى تظهر وجاهة واعتبار صحة انطلاقا من ان الحكمة ضالة المؤمن ومن مبدأ: الرجال يعرفون بالحق لا ان الحق يعرف بالرجال هذا وبعد ان اقترب الشيخ ابن منيع من اجازة التأمين واستنتج الحضور ذلك قال انني احتفظ برأيي في اعطاءالحكم على التأمين من حيث الاباحة او التحريم حتى وقته المناسب وعندما سأل ومتى الوقت المناسب: قال بعد المزيد من التأمل والبحث.
بعد ذلك قدمت عدد من المداخلات والتعليقات كان اهمها مداخلة او معارضة الشيخ الدكتور سليمان بن ثنيان المتخصص في شؤون التأمين والذي قال بأن التأمين حرام وانه يؤدي الى تكدس الاموال في ايدي قلة هم اصحاب شركات التأمين كما انه من نوع القمار حيث كتب القانون تضعه في باب القمار وانه من بواعث الجريمة حين يقوم احد المؤمنين بقتل زوجته او زوجه بغرض الحصول على قسط التأمين.
ورد عليه الشيخ ابن منيع بقوله ان هناك مجموعة من العلماء تقول بهذا الرأي .

[متوازن]

جزاك الله الف خير