للتسجيل اضغط هـنـا
أنظمة الموقع تداول في الإعلام للإعلان لديـنا راسلنا التسجيل طلب كود تنشيط العضوية   تنشيط العضوية استعادة كلمة المرور
تداول مواقع الشركات مركز البرامج
مؤشرات السوق اسعار النفط مؤشرات العالم اعلانات الشركات الاكثر نشاط تحميل
 



العودة   منتديات تداول > تداول الآداب والشعر > تداول الشعر الفصيح



إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 24-05-2014, 12:58 PM   #1
أليا صهل
متداول نشيط
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
المشاركات: 10,221

 

افتراضي إن المؤمن إذا أدّى الحج والعمرة بعد بلوغه مرّة واحدة فقد أسقط فريضة الله عن نفسه،

فضيلة الشيخ العلامة
محمد بن صالح العثيمين
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدُ لله الذي فرض على عباده الحج إلى بيته الحرام، ورتّب على ذلك جزيل الأجر ووافر الإنعام، فمَن حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه نقيًّا من الذنوب والآثام، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة دار السلام، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله أفضل مَن صلَّى وزكَّى وحجَّ وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:

فيا أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى وأدّوا ما فرض الله عليكم من الحج إلى بيته حيث استطعتم إليه سبيلاً، فقد قال الله عزَّ وجل: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الإسلامُ: أن تشهدَ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً»(1)، وأخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الإسلام بُنِيَ على هذه الخمس، فلا يَتِمُّ إسلام عبد حتى يحج، ولا يستقيم بنيان إسلامه حتى يحج .
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال وهو خليفة المسلمين: «لقد هممتُ أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل مَن كان له جِدةً - أي: كل مَن كان غنيًّا - ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين»، وقد ذهب إلى هذا بعض أهل العلم فقال: مَن كان غنيًّا فلم يحج فإنه يكون كافرًا مرتدًّا عن دين الإسلام، واستدل هؤلاء بقول الله تعالى حين ذكَر وجوب الحج قال: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97]، لكنّ القول الراجح: أنه لا كفرَ بترك عمل إلا مَنْ ترك الصلاة؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة .
أيها الإخوة المسلمون، إن فريضة الحج ثابتة بكتاب الله وبسنّة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وبإجماع المسلمين عليها إجماعًا قطعيًّا معلومًا بالضرورة من دين الإسلام، فمَنْ أنكر فريضة الحج فقد كفر، ومَنْ أقرَّ بها وتركها تهاونًا فهو على خطر، كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام وأركانه ! كيف يبخل بالمال على نفسه في أداء هذه الفريضة وهو يُنفق الكثير من ماله فيما تهواه نفسه ! كيف يوفّر نفسه عن التعب في الحج وهو يُرهق نفسه بالتّعب في أمور دنياه ! كيف يتثاقل فريضة الحج وهو لا يجب في العمر إلا مرّة واحدة ! كيف يتراخى عن أدائه وهو لا يدري لعلّه لا يستطيع الوصول إلى البيت بعد عامه !
فاتَّقوا الله عباد الله، فاتَّقوا الله عباد الله، فاتَّقوا الله - عباد الله - وأدّوا ما فرض الله عليكم من الحج تعبّدًا لله تعالى ورضًى بحكمه وسمعًا وطاعة لأمره إن كنتم مؤمنين، واسمعوا لقول الله عزَّ وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً﴾ [الأحزاب: 36] .


إن المؤمن إذا أدّى الحج والعمرة بعد بلوغه مرّة واحدة فقد أسقط فريضة الله عن نفسه، وأكمل بذلك أركان إسلامه، ولم يجب عليه بعد ذلك حج ولا عمرة إلا أن ينذر الحج أو العمرة فيلزمه الوفاء بِما نذر، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَن نذر أن يُطيع الله فلْيُطعْه»(2) .
أيها الإخوة المسلمون، تأمّلوا هذه الشريعة الإسلامية يَتَبَيَّن لكم من تمام حكمة الله ورحمته أنه جعل للفرائض حدودًا وشروطًا؛ لتنضبط الفرائض وتتحدّد المسؤولية، وجعل هذه الحدود والشروط في غاية المناسبة للفاعل والزمان والمكان، ومن هذه الفرائض: الحج، فلهُ حدود وله شروط لا يجب على المسلم إلا بها فمنها: البلوغ، ويحصل في الذكور بواحد من أمور ثلاثة وهي: إنزال المني، أو تمام خمس عشرة سنة، أو نبات شعر العانة، ويحصل البلوغ في الإناث بهذه الثلاثة وزيادة أمر رابع وهو: الحيض، فمَن لم يبلغ فلا حج عليه ولو كان غنيًّا، ولكنْ لو حجَّ صحَّ حجه تطوّعًا وله أجره، فإذا بلغ أدى الفريضة؛ لأن حجه قبل البلوغ لا يسقط به الفرض؛ لأنه لم يُفرض عليه بعد فهو كما لو تصدّق بمال ينوي به الزكاة قبل أن يملك المال، وعلى هذا فمَنْ حجَّ ومعه أبناؤه أو بناته الصغار فإن حجّوا معه كان له أجر ولهم ثواب الحج، وإن لم يحجوا فلا شيء عليه ولا عليهم .
ولكنْ نسأل: هل في هذا الزمان ينبغي أن نحجّج الصغار أم الأَولَى أن ندَعَهم ؟
إنَّ مَنْ نظر إلى المشقّة العظيمة في أداء الطواف والسعي والرمي وغيرها من مناسك الحج تَبَيَّن أن الأَولَى ألا يُحجّجهم لِمَا في ذلك من المشقة عليهم وانشغال قلب أبيهم بهم، ومن المعلوم أن الإنسان ينبغي أن يكون قلبه خاليًا للعبادة، ثم إذا قُدِّرَ أنه حجَّجهم وشقَّ عليهم إتمام الحج فلهم أن يتحلّلوا ولا شيء عليهم؛ لأنهم ليسوا أهلاً للتكليف حتى نقول إنه يجب عليهم إتمام الحج، فلو أحرم بالصبي ثم سَئِمَ من لبس الإحرام وقال: إني هَوَّنْتُ فإن له أن يفسخ الإحرام ولا شيء عليه ولا على أبيه؛ لأنه لم يبلغ سن التكليف .
ومن شروط وجوب الحج: أن يكون الإنسان مستطيعًا بماله وبدنه؛ لأن الله تعالى شرط ذلك للوجوب في قوله تعالى: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ [آل عمران: 97]، فمَن لم يكن مستطيعًا فلا حج عليه، فالاستطاعة بالمال: أن يملك الإنسان ما يكفي لحجه زائدًا عن حوائج بيته وعمّا يحتاجه من نفقة وكسوة له ولعياله وأجرة سكن وقضاء دَيْن حالّ، فمَنْ كان عنده مال يحتاجه لِمَا ذُكِر لم يجب عليه الحج، ومَنْ كان عليه دَيْن حالٌّ لم يجب عليه الحج حتى يوفيه، والدَّيْن: كُلُّ ما ثبت في ذمة الإنسان من قرض أو ثمن مبيع أو أجرة أو غيرها، فمَنْ كان في ذمته درهم واحد حالٌّ فهو مَدِين ولا يجب عليه الحج حتى يبرأ منه بوفاء أو إسقاط؛ لأن قضاء الدَّيْن مهمٌّ جدًّا، حتى إن الرَّجل لو قُتِل في سبيل الله شهيدًا فإن الشهادة تكفِّر عنه كل شيءٍ إلا الدَّيْن فإنها لا تكفّره، وحتى إن الرَّجل يموت في عهد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ولم يترك وفاءً لدَيْنه فلا يصلي عليه ويقول لأهله: صلُّوا عليه، حتى إذا أفاء الله على رسوله وكثر المال عنده صار صلى الله عليه وسلم يوفي الدَّيْن عن المدينين ويصلي عليهم - صلوات الله وسلامه عليه - وجزاه عن أمته أفضل ما جزي نبيًّا عن أمته، وحتى إن الرَّجل إذا مات وعليه دَيْن فإن نفسه معلّقة بدينه حتى يُقضى عنه؛ لذلك آمل من إخواننا الذين عليهم الدّيُون ألا يتراخوا في وفائها، وألا يُماطلوا بها، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مطلُ الغنيِّ ظلم»(3)، «والظلمُ ظلمات يوم القيامة»(4)؛ وعلى هذا فإذا أخَّر الإنسان وفاء الدَّين الحالّ دقيقة واحدة كان بذلك آثِمًا ثم في الدقيقة الثانية يزداد إثمه ثم في الثالثة والرابعة وكل دقيقة تمضي ولم يوفِ فإنه يزداد بها إثْمًا وظلمًا .
ومَن هذا ما يفعله الكفلاء بإخوانهم المكفولين الذين يؤدّون ما وجب عليهم من العمل ومع ذلك يُماطلون بهم فإنهم بذلك ظالمون وهم على هذا آثِمون .
ولقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال: قال الله تعالى: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة»(5)، استمع أخي المسلم، يقول الله تعالى: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة» وما ظنّك بإنسان يكون الله خصمه ألَم يكن مخصومًا مغلوبًا ؟ «رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا وأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره» .
أما الدَّيْن المؤجل فإن كان موثّقًا برهن يكفيه لم يسقط به وجوب الحج، فإذا كان على إنسان دَيْن قد أرهنَ به طالبَه ما يكفي الدّين وبيده مال يمكن أن يحج به فإنه يجب عليه الحج؛ لأنه قد استطاع إليه سبيلاً، أما إذا كان الدَّيْن المؤجّل غير موثّق برهن يكفيه فإن الحج لا يجب على المدين حتى يبرأ من دينه وهذا من نعمة الله وتيسيره على عباده .
أما الاستطاعة بالبدن فهي: أن يكون الإنسان قادرًا على الوصول بنفسه إلى مكة بدون مشقة، فإن كان لا يستطيع الوصول إلى مكة أو يستطيع الوصول ولكن بمشقّة شديدة كالمريض، فإن كان يرجو الاستطاعة في المستقبل انتظر حتى يستطيع ثم يحج فإن مات حُجّ عنه من تركته، وإن كان لا يرجو الاستطاعة في المستقبل كالكبير والمريض الميؤوس من برئه فإنه يوكِّل مَن يحج عنه من أقاربه أو غيرهم فإن مات قبل التوكيل حُجّ عنه من تركته، وإذا لم يكن للمرأة مَحْرم فليس عليها حج؛ لأنها لا تستطيع السبيل إلى الحج؛ لأنها ممنوعة شرعًا من السفر بدون مَحْرم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يخطب يقول: «لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو مَحْرم، ولا تُسافر امرأة إلا مع ذي مَحْرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجّة وإني اكتُتبت في غزوة كذا وكذا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: انطلق فحُجّ مع امرأتك»(6)، فأمَرَه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن يحجّ مع امرأته مع أنه قد كُتب مع الغزاة ولم يستفصل منه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - هل كانت امرأته شابة ؟ هل كانت عجوزًا ؟ هل كان معها نساء ؟ هل هي وحدها ؟ هل هي آمنة أو هي غير آمنة ؟ هل الرَّجل التي هي مع هو ثقة أو ليس بثقة؟ وهو دليل على أن المرأة يَحْرم عليها السفر على أي حال وعلى أي مركوب طائرة أو سيارة إلا بمحْرَم وهو زوجها وكل مَن يَحْرم عليها نكاحه تحريمًا مؤبّدًا كالأب وإن علا والابن وإن نزل والأخ وابن الأخ وإن نزل وابن الأخت وإن نزل والعم والخال سواء كان ذلك من نسب أو رضاع وكأب الزوج وإن علا وابنه وإن نزل وزوج البنت وإن نزلت وزوج الأم وإن علَت إذا كان قد دخل بها، ولا بُدَّ أن يكون المحْرَم بالغًا عاقلاً، فمَن كان دون البلوغ فإنه لا يكفي أن يكون مَحْرمًا؛ لأن المقصود من المحْرَم حفظ المرأة وصيانتها وهيبتها وذلك لا يحصل بالصغير .
أيها الإخوة المسلمون، مَن رأى من نفسه أنه قد استكمل شروط وجوب الحج فلْيبادر به ولا يتأخّر؛ فإن أمْرَ الله ورسوله على الفور بدون تأخير، والإنسان لا يدري ما يحصل له في المستقبل، قال ابن القيم - رحمه الله - وهو أكبر تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية: مَن ترك الحج عمْدًا مع القدرة عليه حتى مات أو ترك الزكاة فلم يخرجها حتى مات فإن مقتضى الدليل وقواعد الشرع أن فعلهما بعد موته لا يُبرئ ذمته ولا يُقبل منه، قال: والحقُّ أحقُّ أن يتّبع، فاختار رحمه الله أن مَن ترك الحج مع قدرته عليه وحج عنه أهله من بعده ولو من تركته فإنها لا تبرأ به ذمته؛ لأنه تركه متعمّدًا بدون عذر، وكذلك الزكاة لو لم يُخرجها حتى مات فإنها لا تبرأ ذمته إذا أخرجها أهله من بعده، ولكنْ أرى أنه يجب أن تُخرج الزكاة عنه بعد موته؛ لأنه تعلّق بها حقُّ الفقراء وأهل الزكاة فعلى وَرَثَتِه إذا كان لم يزكِّ أن يُخرجوا الزكاة من ماله وإن كان هو سوف يُحاسب على تركها يوم القيامة، نسأل الله السلامة والعافية .
أيها الإخوة، إن الله تعالى قد يسَّر لنا في هذه البلاد ما لم ييسّره لغيرنا من سهولة الوصول إلى البيت وأداء المناسك، فقابلوا عباد الله، قابلوا هذه النعمة بشكرها، وأدّوا فريضة الله عليكم قبل أن يأتي أحدكم الموت فيندم حين لا ينفع الندم، واسمعوا قول الله عزَّ وجل: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الزمر: 54-58] .
ومَن حج على الوجه الشرعي مُخلصًا لله مُتَّبعًا لرسول الله فقد تَمَّ حجه سواء كان قد تُمِّمَ له أم لا، أما ما توهّمه بعض العوام من أن مَن لم يُتَمَّمْ له - أي: لم يعقّ عنه - فلا حج له فهذا غير صحيح، فلا علاقة بين الحج والعقيقة، وكذلك مَن حج وعليه قضاء أيام من رمضان فلا حرج عليه وحجه إذا كان على الوجه الشرعي مقبول إن شاء الله؛ إذْ لا علاقة بين الحج وقضاء الصوم .
وفّقني الله وإياكم للقيام بفرائضه والتزام حدوده، وزوّدنا من فضله وكرمه وحُسْن عبادته ما تكمل فيه فرائضنا وتزداد به حسناتنا، ويكمل به إيماننا، ويرسخ به ثباتنا؛ إنه جوادٌ كريم .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية
الحمدُ لله، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحْيه، وخيرته من أفضل خلقه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:
فإن كثيرًا من الناس يَقْلَقون إذا لم يؤدّوا الحج مع أنه ليس مفروضًا عليهم لوجود الدِّيون في ذمّتهم، فتجده يقلق ويندم ويذهب إلى أهل الدّيون يستسمحهم وهذا ليس بجيّد، ولا ينبغي له أن يقلق ولا أن يسأل أهل الديون أن يسمحوا له؛ لأن الله تعالى لم يوجب الحج عليه، فكما أن الفقير الذي ليس عنده مال لا يقلق إذا لم يؤدِّ زكاةً كسائر الأغنياء فكذلك المدين الذي ليس عنده ما يوفي به ويحج به لا ينبغي له أن يقلق؛ لأن الحج ليس مفروضًا عليه حتى يندم على تأخيره؛ وعلى هذا فأقول للإخوة المدينين: أَبْشِروا فإن الله قد وسَّع عليكم، لا تلجِئوا مَن يطلبكم إلا أن يسامحكم أو يُسقط عنكم، فأنتم - ولله الحمد - في حِلٍّ، ولو لقيتم الله - عزَّ وجل - لَلَقَيْتموه وليس عليكم إثم في ترك الحج؛ لأنكم معذورون، فلا قلقَ ولا خوف ولا حزن، الأمر بيد الله عزَّ وجل، ولو شاء الله لأغناكم فوجب عليكم الحج، ولكنّ الله بحكمته يُغني ويُفقر وله في ذلك الحمد كله، لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، فلا تقلق يا أخي المدين، لا تقلق بعدم حجك؛ فإنه لا حج عليك .
يقول بعض الناس الذين عليهم الدّيون: إنهم قد استسمحوا من أهل الدَّين فسمحوا لهم، ونقول حتى لو سمحوا لهم فإنهم لا يلزمهم الحج إلا إذا أسقط أهل الدّين من ديونهم بقدر ما يحج به فحينئذٍ يكون رابِحًا وله أن يحج، وأما إذا لم يُسقطوا شيئًا فإن الدَّين باقٍ ولو سمحوا له بالحج .
لذلك نقول: إن من الحكمة وإن من العقل أن تؤدّي الدَّينَ من قبل اللهم إلا إذا كان على الإنسان دَين مؤجّل وكان يعرف من نفسه أنه يوفي إذا حَلَّ الأجل ومعه مال يمكنه أن يحج به فحينئذٍ يحج ولا حرج .
اللهم لك الحمد على تيسيرك، ولك الحمد على إنعامك، ولك الحمد أعطيت أم منعت، لا مانع لِما أعطيت ولا مُعطي لِما منعت، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك .
وكذلك المرأة إذا لم يكن لها مَحْرم فلا ينبغي أن تقلق ولا ينبغي أن تحزن؛ لأن الحج لم يجب عليها، فهي لو لاقت ربها ولم تحج فإنه لا إثم عليها؛ لأنها ممنوعة من الحج بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لا تسافر امرأة إلا مع ذي مَحْرم»(7) فلها العذر عند الله تعالى، فإذا ماتت ولم تحج لأنها لم تجد مَحْرمًا فإنها لن تكون آثمة ولن تكون عاصية بل هي مطيعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ﴿مَّن يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: 80]، كما قال الله عزَّ وجل، فلا تندم على ذلك ولا تحاول أن تحج مع غير المحارم؛ فإنها لو حجّت مع غير مَحْرم فإنها آثمة من حين أن تخرج من بيتها إلى أن ترجع إليه.
واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة - يعني: في دين الله - بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وأكْثِروا من الصلاة والسلام على نبيّكم محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يُعظم الله لكم بها أجرًا؛ فإن مَنْ صلى عليه مرّة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبّته واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، وتقديم هديه على هدي كل أحد، وسنّته على سنّة كل أحد يا رب العالمين .
اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم اجمعنا به في جنّات النّعيم في جوارك يا رب العالمين مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصدّيقين، والشهداء والصالحين .
اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان وعلي هم أفضل أتباع المرسلين، اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنّا معهم وأصْلح أحوالنا كما أصْلحت أحوالهم يا رب العالمين .
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم انصر المسلمين على مَن عاداهم يا رب العالمين، اللهم انصر إخواننا في كوسوفو على أعدائنا الصرب المجرمين يا رب العالمين، اللهم اخذل كل مَن كان عدوًّا للإسلام والمسلمين من اليهود، والنصارى، والمشركين، والملحدين، والمنافقين يا رب العالمين.
اللهم أصْلح لنا ولاة أمورنا، اللهم اجعل بطانتهم بطانة خير تدلّهم عليه وتحثّهم عليه وتُبعدهم من الشرّ وتُبيِّنه لهم يا رب العالمين .
اللهم أصْلح لسائر ولاة المسلمين بطانتهم، واجعل لهم بطانة صالحة تدلّهم على الخير وتحثّهم عليه وتُبيِّن لهم الشرّ وتحذّرهم منه يا رب العالمين؛ إنك على كل شيءٍ قدير، ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23]، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10] .
عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الكريم يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزِدْكُم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45] .
---------------------------
(1) أخرجه الإمام أحمد في [مسند العشرة المبشرين بالجنة] برقم [346]، والإمام مسلم في كتاب [الإيمان] رقم [9]، والنسائي في كتاب [الإيمان وشرائعه] رقم [4904]، والترمذي في كتاب [الإيمان] رقم [2535] من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ت ط ع .
(2) أخرجه البخاري في كتاب [الأيمان والنذور] رقم [6202] من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
(3) أخرجه البخاري في كتاب [المظالم والغضب] رقم [2267]، ومسلم في كتاب [البِرّ والصلة والأدب] رقم [4676] من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
(4) أخرجه البخاري في كتاب [الاستقراض وأداء الديون] رقم [2235] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(5) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة، رقم [8238]، البخاري في صحيحه في كتاب [الإجازة] رقم [2109] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(6) أخرجه الإمام أحمد في مسند بني هاشم برقم [1832]، والبخاري في كتاب [النكاح] رقم [4832]، ومسلم في كتاب [الحج واللفظ له] رقم [2391]، وذكره الشيخ -رحمه الله تعالى- مطابقًا كما رواه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .
(7) سبق تخريجه .


http://www.ibnothaimeen.com/all/khot...icle_212.shtml
أليا صهل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:13 AM. حسب توقيت مدينه الرياض

Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.