تحليل للسوق السعودي فى الربع الثالث من جرئدة الشرق الوسط

[طارق الماضي]

شهدت سوق الاسهم السعودية تراجعا كبيرا خلال الربع الثالث من عام 2002 انخفض على اثره المؤشر العام للسوق اكثر من 107 نقاط ليغلق على 2654 نقطة، مسجلا انخفاضا بلغت نسبته 3.8 في المائة عما كان عليه في نهاية الربع الثاني، مخالفا بذلك معظم التوقعات السائدة في اوساط المتعاملين التي كانت ترى ان السوق كان مؤهلا لتحقيق نتائج جيدة خلال هذا الربع ومواصلة ادائه القوي حتى نهاية العام.
وتشير دراسة حديثة اعدها مركز الدراسات والنشر الاقتصادي، ان سوق الاسهم السعودية لم يستطع المحافظة على المكاسب التي حققها خلال الربع الثاني من هذا العام وذلك لتأثر اوساط العاملين في السوق بحالة التوتر في المنطقة والتخوف من شبح الحرب بتنفيذ ضربة عسكرية ضد العراق، وهو ما قلب اجواء التفاؤل التي كان يعيشها السوق وأدى الى اضعاف الطلب على الاسهم مقابل المعروض مما اوقف موجة الشراء المستمرة التي سادت السوق منذ بداية العام وساهم في هبوط المؤشر العام للسوق بشكل كبير.
كما ارجعت الدراسة اسباب هذا التراجع الى ذكرى احداث 11 سبتمبر (ايلول) وما سبقها من مطالبات بتجميد اموال بعض المؤسسات السعودية ومبالغ التعويضات الخرافية المطالب بها وما يمكن ان يتركه ذلك من آثار سلبية على العديد من الشركات السعودية المدرجة في السوق وعلى الاقتصاد السعودي بشكل عام نتيجة توتر علاقة المملكة بشريك اقتصادي بحجم الولايات المتحدة الاميركية ليزيد من اجواء التشاؤم بين المتعاملين. ولم تشهد معظم الشركات التي قدمت اسهمها اداء جيدا خلال النصف الاول من هذا العام، تحسنا كبيرا على اسعار اسهمها خلال الربع الثالث، نتيجة للاوضاع السياسية التي تشهدها المنطقة. كما كان لبعض العوامل الداخلية دور كبير في زيادة حالة القلق والترقب التي ساهمت في تغيير اتجاه السوق التصاعدي. ودفعت العديد من المستثمرين للبيع وتخفيف مراكزهم المالية خلال الفترة الماضية. كما تأثر اداء السوق خلال هذا الربع ببعض التصاريح الحكومية عن سعي الحكومة الجاد لسداد جزء من الدين المحلي عن طريق بيع جزء من اهم الشركات المدرجة المملوكة للحكومة، مما اربك التعاملات في السوق وأثر على قرارات كثير من المتعاملين في الاسهم المحلية، حيث ان هذا التوجه اذا تم تنفيذه بشكل سريع وغير مدروس فانه لا محالة سوف يضغط على مؤشر سوق الاسهم ويمتص جزءا كبيرا من السيولة المتوفرة في ايدي المستثمرين.
ولا يوجد شك في ان طرح اسهم شركات كبيرة مثل الاتصالات وادراجها في السوق المحلية سوف يضفي قوة وجاذبية على السوق السعودية لتوفيره فرصة استثمارية جديدة تفتح المجال امام المتعاملين في السوق لتقليل الاخطار التي تواجه اوعيتهم الاستثمارية عن طريق التنويع والاستثمار في قطاع جديد. وتشير الدراسة الى ان السوق ما زالت تفتقر للبناء المؤسسي الذي يمكن ان تنجح معه في استيعاب طرح اسهم شركات اخرى في المستقبل. فالحقيقة ان افتقار السوق للمؤسسات الاستثمارية المالية العملاقة وللادوات الاستثمارية المتنوعة ادى الى تركيز الاعتماد بشكل كبير على المستثمرين الافراد، مما يضعف من قدرات السوق على العمل بعقلية احترافية متمرسة، ويحولها الى مكان قائم على الاجتهادات الفردية وتطغى عليها المضاربات. وهذا يضعف من دور سوق الاسهم كرافد من روافد اقتصادنا الوطني ولا يخدم بأي حال من الاحوال الخطط المستقبلية للحكومة في خلق سوق قادرة على استيعاب برامج الحكومة للتخصيص وبيع بعض المؤسسات العامة للقطاع الخاص.
وقد تحول المستثمرون خلال هذا الربع عن الاستثمار في الشركات الكبرى ذات النمو المتزن والربحية المعروفة الى الاستثمار في عدد من الشركات الصغيرة وغير المعروفة بحثا عن تحقيق ارباح قصيرة الاجل عن طريق المضاربة على اسهم هذه الشركات التي يمكن القول بأنها شركات فاشلة، وان الشيء الوحيد الذي حول انظار بعض المستثمرين لها ان اسعارها منخفضة ونتائج اعمالها غير معروفة او كانت سلبية مما يجعلها مناسبة للمضاربة على المدى القصير. وقد اجتذبت الشركات الصغيرة عديداً من المستثمرين خلال هذا الربع، فقد كانت اكثر الشركات المتداولة نشاطاً وسيطرت على معظم التداولات خصوصاً شركة «المواشي المكيرش» التي سجلت اسهمها اكبر نسبة تداول بين الشركات المدرجة بواقع 135 مليون سهم بأكثر من 2538 مليون ريال. وقد حققت بعض اسهم الشركات الصغيرة، او اسهم المضاربة كما يسميها المتعاملون في السوق، ارتفاعاً كبيراً مخالفاً لاتجاه المؤشر العام للسوق في كثير من الاحيان. فقد سجلت «الشركة الكيميائية السعودية» اكبر ارتفاع في السوق خلال هذا الربع بلغ 107في المائة، تلتها شركة «نماء» بارتفاع بلغ 87 في المائة، كما ان روح المضاربة طالت قطاع الزراعة غير النشيط، لترفع اسهم شركة «الشرقية الزراعية» بواقع 42 في المائة، وشركة القصيم الزراعيه بنسبة بلغت 32 في المائة، وباقفال تداول اخر ايام الربع الثالث يكون السوق قد سجل انخفاضاً قدره 5 في المائة عما كان عليه في بداية هذا الربع.
ويتوقع مركز الدراسات والنشر الاقتصادي في دراسته حول الاسهم السعودية خلال الربع الثالث لعام 2002، ان يعود السوق السعودي للاسهم لتسجيل نتائج ايجابية خلال الربع الرابع لهذا العام خصوصاً اذا تمت تسوية الخلاف الاميركي ـ العراقي واطمأن المتعاملون في السوق الى زوال شبح تنفيذ الضربة العسكرية بحق العراق، حيث سيكون للعامل النفسي للمستثمرين تأثيره المباشر على قرارات الأغلبية في السوق خصوصاً ان المتعقل منهم قد يؤجل قرار دخوله في السوق الى حين انفراج الازمة وانتهاء التوتر في المنطقة. فتوجه عديد من المستثمرين للمضاربة في اسهم الشركات الصغيرة واستخدام سياسة الدخول في الشراء والبيع بسرعة، دليل على ان المتعاملين في السوق حذرون من تصاعد التوتر بين بغداد وواشنطن.
كما ان هناك العديد من العوامل الاخرى المرتبطة بالسوق لها دور كبير في تحديد اتجاه السوق في حال زوال احتمال ضرب العراق. ويأتي في مقدمة هذه العوامل سعر النفط. كما ان طرح 30 في المائة من اسهم شركة «الاتصالات السعودية» للاكتتاب العام خلال الربع الرابع سوف يؤثر بشكل مباشر على اداء السوق خلال هذه الفترة نظرًا لان جزءا كبيراً من السيوله سوف يذهب للاكتتاب في اسهم الشركة، الا ان الامل ما زال معقوداً على عودة بعض الاموال السعودية المستثمرة في الخارج واستثمارها في الاسواق المحلية مما يمكن ان يقلص من حجم تأثير طرح اسهم الاتصالات خلال هذه الفترة.
ويبقى عامل تدهور الاسواق المالية العالمية وصعوبة التكهن معه بالحد الذي يمكن ان تصل اليه هذه الاسواق في النزول يجعل التفكير في الدخول الى هذه الاسواق في الوقت الحالي ضربا من الجنون مما يعزز من فرص استمرار السوق المحلية ويرجح كفة احتفاظ سوق الاسهم السعودية ببريقها، حيث انها ما زالت افضل الفرص الاستثمارية المتاحة للسعوديين في الوقت الحالي