عرض مشاركة واحدة
قديم 20-05-2008, 03:24 AM   #18
bhkhalaf
الفريق الصحفي لتداول - عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
المشاركات: 34,586

 
افتراضي

حقل الشيبة .. بحر من النفط والغاز .. تحت بحر من الرمال



الثلاثاء, 20 مايو 2008

حسن الصبحي

لم تعرف رمال الربع الخالي الهائلة، عبر مراحل التاريخ المعروفة، إنجازاً بشرياً بحجم ما عرفته على يد المشاريع السعودية الصناعية العملاقة. ولم يسبق أن دوّن التاريخ مغامرة بشرية صنعت واقعاً لافتاً في أي من أطراف أكبر صحراء رملية في العالم، أكثر من الواقع الذي فرضته حقول النفط والغاز والمعامل المتناثرة في جنبات من هذا المحيط الرمليّ الذي كان العرب القدماء يسمّونه 'مفازة صـَيـْهد'..!

وفي الركن الشمالي الشرقي من هذه المفازة المتلاطمة برمالها الذهبيّة يقع حقل الشـّيـْبة الذي يناهز عمره أربعين عاماً؛ وهو عمرٌ يتجاوز نصف عمر شركة أرامكو السعودية التي تُكمل، عامها الخامس والسبعين. وفي الركن، نفسه، يقع حقل يُنتج يومياً نصف مليون برميل من النفط، ومن المقرر زيادة إنتاجه إلى ثلاثة أرباع المليون خلال الأشهر القليلة المقبلة.

شاعرية المستحيل

وعلى الرغم من هذه الأرقام؛ فإن للمكان شاعريته العملية، إذا جاز الوصف. وهي شاعرية سبق أن عبر عنها معالي وزير البترول والثروة المعدنية علي النعيمي بقوله 'لهذا المكان تميّزه الخاص، ليس بسبب كثبانه الرملية الهائلة أو بلايين البراميل التي توجد تحتها فحسب، بل لأنه يمثل ما يمكن أن تحققه شركات الزيت الوطنية: المهام التي كانت تعتبر مستحيلة أضحت اليوم ممكنة جداً وسهلة المنال للشركات الوطنية، سواء كمنشآت صناعية أو كشركات تجارية'.

وهذه هي خلاصة القصة التي تكشف عن جزء من الثروة الوطنية التي تحتفظ بها هذه البلاد الخيّرة. وفي التفاصيل حقائق تُُشير إلى سلسلة تحديات خاضت فيها الإرادة البشرية أكثر الظروف الجغرافية والمناخية تعقيداً وصعوبة وخطورة. وتلخّصت نتائج هذه التحديات في تحويل سبخة قاحلة، قاسية، بلا حياة؛ إلى واحة تنبض فيها الحياة، وتُنتج، وتُعطي، وتـُسهم في رخاء هذا المجتمع.

المهمّات الأولى

القصة بدأت صفحتها الأولى عام 1951م، بعد مضيّ 20 عاماً على توقيع المملكة العربية السعودية للاتفاقية مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا للتنقيب عن الزيت في المملكة. في ذلك العام ذهبت أول فرق جيولوجية إلى الربع الخالي، في مهمة تنقيب بدت مستحيلة، في مساحة تمتد لأكثر 650 ألف كيلومتر من الصحراء القاحلة. وبعد 17 سنة من تلك المهمة التي لم تنتهِ إلى نتيجة؛ تم اكتشاف حقل الشيبة. وصادف أن كان ذلك العام، 1968م، هو العام نفسه الذي أصبحت فيه أرامكو أول شركة تنجح في إنتاج مليار برميل من الزيت في عام واحد. ولاحقاً تمّ التعرف على أن الموقع يحتوي على احتياطيات تزيد عن 18.9 مليار برميل من الزيت العربي الخفيف، وهو ما يفوق احتياطيات بحر الشمال بكامله. إضافة إلى ذلك دلت الاكتشافات أن الموقع يحتوي على احتياطات من الغاز تقدر بـ 25 تريليون قدم مكعب قياسية من الغاز الطبيعي.

وفي عقد السبعينيات أُجريت محاولات لتطوير الحقل، لكن التقديرات وجدت المحاولات بدت مغامرة عالية التكلفة وتتخطى قدرات التقنيات المتوفرة وقتها. وكانت الصعوبة تكمن في عدد من العوامل، من بينها أن المسافة بين الظهران والشيبة تصل إلى 800 كلم، وهو ما يعني أن توفير الإمدادات وحده كان عملية محبطة، إذ يستغرق قطع تلك المسافة أكثر من أسبوع. والطائرات الصغيرة تختصر المدة إلى ساعات قليلة، لكن الكميات الضخمة من الإمدادات المطلوبة للمحافظة على مخيم الحفر وإنشاء مرافق الزيت والغاز تتطلب وجود شاحنات.

جهود عالمية

إلا أن ظهور التقنيات المتقدمة عام 1995، خاصة الآبار الأفقية والمسح السيزمي ثلاثي الأبعاد، جعل من الأمر ملائماً والموقع جاهزاً. وبادرت أرامكو السعودية إلى تنفيذ المشروع لجمع وتكرير ونقل الزيت من الشيبة إلى معامل بقيق. فكان جهداً عالمياً شارك فيه مقاولون من المملكة والولايات المتحدة والأرجنتين وبريطانيا وفرنسا واليونان.

وبعد أقل من عام من التخطيط، بدأت أعمال الإنشاء، وتناغم ثلاثة مقاولين كبار في العمل على إنشاء طريق دخول حيوي بمسافة 386 كلم، بين حدود مركز سلوى وموقع الشيبة.

وبعد إنشاء الطريق اختـُصرت مدة السفر بين الظهران والشيبة إلى 12 ساعة فقط. وبعد ذلك بمدة بسيطة، تم إنشاء مدرج خرساني بحجم كافٍ لاستيعاب طائرة من طراز بوينج 737.

وباكتمال هذه البُنية بدأ العمل الفعلي في مشروع الحقل، وخلال السنة والنصف التالية، راحت أساطيل الشاحنات العملاقة تنقل إلى الموقع اليد العاملة والمعدات والآليات العملاقة عبر الصحراء في خط متواصل. وتطلب ذلك أيضاً إزالة 15 مليون متر مكعب من الطين والرمال لتمهيد الطريق لأطنان لا نهاية لها من الأنابيب والخرسانة والرمال والحديد التي يتم توصيلها إلى السبخة الفارغة. وفي عام 1996 وحده، استخدمت الشركة 300 شاحنة لنقل أكثر من 800ر3 شحنة بوزن إجمالي بلغ 90 ألف طن متري إلى الموقع. وقد أمضى آلاف الرجال أكثر من 50 مليون ساعة عمل لبث الحياة في هذا المرفق.

وأخذت ملامح المجمع الصناعي الكبير تتضح، لتشمل ثلاثة معامل لفصل الغاز من الزيت، ومعملاً لضغط الغاز، وعدداً من معامل المنافع وغرف التحكم، إلى جانب مهبط للطائرات والمرافق السكنية، ووصلتين بين الشيبة وبقيق إحداهما 'كابل' ألياف بصرية للاتصالات بطول 650 كلم، والأخرى خط أنابيب لنقل الزيت بطول 630 كلم.

إنه يُشارك

وفي الثاني من شهر يوليه 1998م، بدأ الإنتاج في المشروع الشيبة، قبل الوقت المتوقع بثلاثة أشهر، لينتج 500 ألف برميل من الزيت في اليوم. وخلال سنتين فقط، نجحت الشركة في تحويل سبخة جافة وسط الصحراء بلا طرق ولا بنية تحتية أو مياه أو ظل، إلى واحة حديثة يعيش فيها 750 موظفاً يشغلون مرفقاً متكاملاً لإنتاج الزيت للدولة ومزود حيوي للطاقة إلى العالم.

وبعد نجاح التشغيل التجريبي للحقل، وتحديداً في العاشر من شهر مارس 1999، تفضل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وقت كان ولياً للعهد، بافتتاح الحقل رسمياً في أول حفل من نوعه يشهده الربع الخالي.

وبقدر ما كانت القصة كبيرة بما انطوت عليه من مخاطر وصعوبات وتحديات؛ فإنها مثيرة بما يعنيه المشروع من حقيقة تحويل الحلم إلى واقع. ويقول منير رفيع، الرئيس التنفيذي لدائرة الأحياء السكنية والمباني وخدمات المكاتب آنذاك: 'أصبح حلم الشيبة حقيقة من خلال تراكم ملايين الساعات من العمل الدؤوب وآلاف الأطنان من المواد، وقبل ذلك كله العمل
الجماعي المتميز

والعمل الجماعي المتميز هو ما مكّن من إنجاز المشروع، ليكون ثمرة جهود الفريق المكون من أرامكو السعودية، وشركة المقاولات العالمية س.ن.سي لافالين، وشركة هيونداي للصناعات الثقيلة، وشركة ن.إي.سي، وكبرى شركات المقاولات من الباطن في المملكة، وهي شركة نسمة، وشركة ن.سي.سي وشركة الفلك. والعمل الجماعي، أيضاً، هو ما يساعد الشركة في تنفيذ مشاريع التطوير في الحقل، حيث تخطط لإنهاء سنة احتفالها بالذكرى الخامسة والسبعين إلى زيادة إنتاجية الحقل بمقدار 250 ألف في اليوم ليصل الإجمالي إلى 750 ألف برميل. كما تنفذ الشركة حالياً أعمال الإنشاء لمرافق جديدة تتكون من معامل لفرز الغاز من الزيت ومعامل المنافع وزيادة القدرة الاستيعابية لخطوط الأنابيب، إلى جانب الوحدات السكنية ومرافق المساندة الإضافية.

معجبون وزوّار

وإلى جانب دوره الرئيس المتمثل في إنتاج الزيت، أصبح حقل الشيبة واحداً من أهم الأماكن التي يقصدها الزوار. فعلى مر السنين، زار الموقع عدد كبير من الزوار، بمن فيهم قادة عالميون ولشخصيات دولية في صناعة الزيت، وإعلاميون، فضلاً عن الزيارات التربوية التي عرّفت النشء إلى مثال حي وحقيقي للإبداع البشري والمثابرة.
bhkhalaf غير متواجد حالياً