أَمْـثَــال الْـقُــرْآن الكريم
أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ الْإِمَامُ الْحَسَنُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا.
قَالَ تَعَالَى: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ } [الرُّوم: 58]. وَقَالَ تَعَالَى: { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } [الْعَنْكَبُوت: 43].
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى خَمْسَةٍ أَوْجُهٍ: حَلَالٍ، وَحَرَامٍ، وَمُحْكَمٍ، وَمُتَشَابِهٍ، وَأَمْثَالٍ، فَاعْمَلُوا بِالْحَلَالِ، وَاجْتَنِبُوا الْحَرَامَ، وَاتَّبِعُوا الْمُحْكَمَ، وَآمِنُوا بِالْمُتَشَابِهِ، وَاعْتَبِرُوا بِالْأَمْثَالِ » قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مِنْ أَعْظَمِ عِلْمِ الْقُرْآنِ عِلْمُ أَمْثَالِهِ، وَالنَّاسُ فِي غَفْلَةٍ عَنْهُ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْأَمْثَالِ، وَإِغْفَالِهِمُ الْمُمَثَّلَاتِ، وَالْمَثَلُ بِلَا مُمَثَّلٍ كَالْفَرَسِ بِلَا لِجَامٍ، وَالنَّاقَةِ بِلَا زِمَامٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: قَدْ عَدَّهُ الشَّافِعِيُّ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ مَعْرِفَتُهُ مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: ثُمَّ مُعْرِفَةُ مَا ضُرِبَ فِيهِ مِنَ الْأَمْثَالِ الدَّوَالِّ عَلَى طَاعَتِهِ، الْمُبَيِّنَةِ لِاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّين: إِنَّمَا ضَرَبَ اللَّهُ الْأَمْثَالَ فِي الْقُرْآنِ تَذْكِيرًا وَوَعْظًا، فَمَا اشْتَمَلَ مِنْهَا عَلَى تَفَاوُتِ ثَوَابٍ أَوْ عَلَى إِحْبَاطِ عَمَلٍ أَوْ عَلَى مَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْأَحْكَامِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: ضَرْبُ الْأَمْثَالِ فِي الْقُرْآنِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ: التَّذْكِيرُ وَالْوَعْظُ، وَالْحَثُّ، وَالزَّجْرُ، وَالِاعْتِبَارُ، وَالتَّقْرِيرُ، وَتَقْرِيبُ الْمُرَادِ لِلْعَقْلِ، وَتَصْوِيرُهُ بِصُورَةِ الْمَحْسُوسِ، فَإِنَّ الْأَمْثَالَ تُصَوِّرُ الْمَعَانِيَ بِصُورَةِ الْأَشْخَاصِ لِأَنَّهَا أَثْبَتُ فِي الْأَذْهَانِ لِاسْتِعَانَةِ الذِّهْنِ فِيهَا بِالْحَوَاسِّ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْغَرَضُ مِنَ الْمَثَلِ تَشْبِيهُ الْخَفِيِّ بِالْجَلِيِّ، وَالْغَائِبِ بِالْمَشَاهَدِ.
وَتَأْتِي أَمْثَالُ الْقُرْآنِ مُشْتَمِلَةً عَلَى بَيَانِ تَفَاوُتِ الْأَجْرِ، وَعَلَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، وَعَلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَعَلَى تَفْخِيمِ الْأَمْرِ أَوْ تَحْقِيرِهِ، وَعَلَى تَحْقِيقِ أَمْرٍ أَوْ إِبْطَالِهِ، قَالَ تَعَالَى: { وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ } [إِبْرَاهِيمَ: 45]. فَامْتَنَّ عَلَيْنَا بِذَلِكَ لِمَا تَضْمَّنَهُ مِنَ الْفَوَائِدِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَان: وَمِنْ حَكَمَتِهِ تَعْلِيمُ الْبَيَانِ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: التَّمْثِيلُ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ لِكَشْفِ الْمَعَانِي، وَإِدْنَاءِ الْمُتَوَهِّمِ مِنَ الشَّاهِدِ، فَإِنْ كَانَ الْمُمَثَّلُ لَهُ عَظِيمًا كَانَ الْمُتَمَثَّلُ بِهِ مِثْلَهُ، وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا كَانَ الْمُمَثَّلُ بِهِ كَذَلِكَ.
وَقَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ: لِضَرْبِ الْعَرَبِ الْأَمْثَالَ وَاسْتِحْضَارِ الْعُلَمَاءِ النَّظَائِرَ شَأْنٌ لَيْسَ بِالْخَفِيِّ فِي إِبْرَازِ خَفِيَّاتِ الدَّقَائِقِ، وَرَفْعِ الْأَسْتَارِ عَنِ الْحَقَائِقِ، تُرِيكَ الْمُتَخَيَّلَ فِي صُورَةِ الْمُتَحَقَّقِ وَالْمُتَوَهَّمِ فِي مَعْرِضِ الْمُتَيَقَّنِ، وَالْغَائِبِ كَأَنَّهُ مُشَاهَدٌ.
وَفِي ضَرْبِ الْأَمْثَالِ تَبْكِيتٌ لِلْخَصْمِ الشَّدِيدِ الْخُصُومَةِ، وَقَمْعٌ لِسَوْرَةِ الْجَامِحِ الْأَبِيِّ، فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ مَا لَا يُؤَثِّرُ وَصْفُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ أَكْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ الْأَمْثَالَ، وَمِنْ سُوَرِ الْإِنْجِيلِ سُوَرَةٌ تُسَمَّى سُورَةَ الْأَمْثَالِ، وَفَشَتْ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْحُكَمَاءِ.
أَمْثَالُ الْقُرْآنِ قِسْمَان:
ظَاهِرٌ مُصَرَّحٌ بِهِ، وَكَامِنٌ لَا ذِكْرَ لِلْمَثَلِ فِيهِ.
فَمِنْ أَمْثِلَةِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا } [الْبَقَرَة: 17- 20]. الْآيَاتُ ضَرَبَ فِيهَا لِلْمُنَافِقِينَ مَثَلَيْن: مَثَلًا بِالنَّارِ وَمَثَلًا بِالْمَطَرِ.
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَعْتَزُّونَ بِالْإِسْلَامِ فَيُنَاكِحُهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَيُوَارِثُونَهُمْ وَيُقَاسِمُونَهُمُ الْفَيْءَ، فَلَمَّا مَاتُوا سَلَبَهُمُ اللَّهُ الْعِزَّ كَمَا سُلِبَ صَاحِبُ النَّارِ ضَوْءَهُ { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ } قَوْلُهُ: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا } يَقُولُ: فِي عَذَابٍ { أَوْ كَصَيِّبٍ } هُوَ الْمَطَرُ ضُرِبَ مَثَلُهُ فِي الْقُرْآنِ { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } يَقُولُ: ابْتِلَاءٌ { وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } تَخْوِيفٌ { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } يَقُولُ: يَكَادُ مُحَكْمُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُنَافِقِينَ { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ } [الْبَقَرَة: 19- 20]. يَقُولُ: كُلَّمَا أَصَابَ الْمُنَافِقُونَ فِي الْإِسْلَامِ عِزًّا اطْمَأَنُّوا، فَإِنْ أَصَابَ الْإِسْلَامَ نَكْبَةٌ قَامُوا لِيَرْجِعُوا إِلَى الْكُفْرِ كَقَوْلِه: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ } الْآيَةَ [الْحَجّ: 11].
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } الْآيَةَ [الرَّعْد: 17].
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ، احْتَمَلَتْ مِنْهُ الْقُلُوبُ عَلَى قَدْرِ يَقِينِهَا وَشَكِّهَا، { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً }. وَهُوَ الشَّكُّ { وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ } [الرَّعْد: 17]. وَهُوَ الْيَقِينُ كَمَا يَجْعَلُ الْحُلِيُّ فِي النَّارِ فَيُؤْخَذُ خَالَصُهُ وَيُتْرَكُ خَبَثُهُ فِي النَّارِ، كَذَلِكَ يَقْبَلُ اللَّهُ الْيَقِينَ وَيَتْرُكُ الشَّكَّ.
وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ قَوْلُهُ (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا).
وَأَخْرَجَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَمْثَالٍ ضَرَبَهَا اللَّهُ فِي مَثَلٍ وَاحِدٍ، يَقُولُ: كَمَا اضْمَحَلَّ هَذَا الزَّبَدُ فَصَارَ جُفَاءً لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَلَا تُرْجَى بَرَكَتُهُ كَذَلِكَ يَضْمَحِلُّ الْبَاطِلُ عَنْ أَهْلِهِ، وَكَمَا مَكَثَ هَذَا الْمَاءُ فِي الْأَرْضِ فَأَمْرَعَتْ وَرَبَتْ بَرَكَتُهُ، وَأَخْرَجَتْ نَبَاتَهَا، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ حِينَ أُدْخِلَ النَّارَ فَأُذْهِبَ خَبَثُهُ، كَذَلِكَ يَبْقَى الْحَقُّ لِأَهْلِهِ، وَكَمَا اضْمَحَلَّ خَبَثُ هَذَا الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حِينَ أُدْخِلَ فِي النَّارِ كَذَلِكَ يَضْمَحِلُّ الْبَاطِلُ عَنْ أَهْلِهِ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ } الْآيَةَ [الْأَعْرَاف: 85]، أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ يَقُولُ: هُوَ طَيِّبٌ وَعَمَلُهُ طَيِّبُ كَمَا أَنَّ الْبَلَدَ الطَّيِّبَ ثَمَرُهَا طَيِّبٌ، وَالَّذِي خَبُثَ ضُرِبَ مَثَلًا لِلْكَافِرِ كَالْبَلَدِ السَّبِخَةِ الْمَالِحَةِ وَالْكَافِرُ هُوَ الْخَبِيثُ وَعَمَلُهُ خَبِيثٌ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ } الْآيَةَ [الْبَقَرَة: 226].
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَنْ تَرَوْنَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ: { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لَعَمَلٍ قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ.
وَأَمَّا الْكَامِنَةُ، فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُضَارِبِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَأَلْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ الْفَضْلِ فَقُلْتُ: إِنَّكَ تُخْرِجُ أَمْثَالَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مِنَ الْقُرْآنِ، فَهَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّه: (خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا) قَالَ: نَعَمْ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ } [الْبَقَرَة: 68]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } [الْفُرْقَان: 67]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } [الْإِسْرَاء: 29]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا } [الْإِسْرَاء: 110].
قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ (مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ) قَالَ: نَعَمْ فِي مَوْضِعَيْنِ { بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ } [يُونُسَ: 39]. { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } [الْأَحْقَاف: 11]. قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّه: (احْذَرْ شَرَّ مَنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ) قَالَ: نَعَمْ { وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ } [التَّوْبَة: 74]. قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّه: (لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعَيَانِ) قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [الْبَقَرَة: 260]. قُلْتُ فَهَلْ تَجِدُ: (فِي الْحَرَكَاتِ الْبَرَكَاتُ) قَالَ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً } [النِّسَاء: 100]. قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ: (كَمَا تَدِينُ تُدَانُ) قَالَ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } [النِّسَاء: 123].
قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيهِ قَوْلَهُمْ: (حِينَ تَقْلِي تَدْرِي) قَالَ: { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الْفُرْقَان: 42]. قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيه: لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ قَالَ: { هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ } [يُوسُفَ: 64]. قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيه: مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سُلِّطَ عَلَيْهِ قَالَ: { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } [الْحَجّ: 4]. قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيهِ قَوْلَهُمْ: لَا تَلِدُ الْحَيَّةُ إِلَّا حَيَّةً قَالَ: قَالَ تَعَالَى: { وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا } [نُوحٍ: 27]. قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيه: لِلْحِيطَانِ آذَانٌ قَالَ: { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } [التَّوْبَة: 47]. قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيه: الْجَاهِلُ مَرْزُوقٌ وَالْعَالِمُ مَحْرُومٌ قَالَ:{ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } [مَرْيَمَ: 75]. قُلْتُ: فَهَلْ تَجِدُ فِيه: الْحَلَالُ لَا يَأْتِيكَ إِلَّا قُوتًا وَالْحَرَامُ لَا يَأْتِيكَ إِلَّا جُزَافًا قَالَ: { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ } [الْأَعْرَاف: 163].
فائدة [ إرسال المثل ] :
عَقَدَ جَعْفَرُ بْنُ شَمْسٍ الْخِلَافَةِ فِي كِتَابِ الْآدَابِ بَابًا فِي أَلْفَاظٍ مِنَ الْقُرْآنِ جَارِيَةٍ مَجْرَى الْمَثَلِ، وَهَذَا هُوَ النَّوْعُ الْبَدِيعِيُّ الْمُسَمَّى بِإِرْسَالِ الْمَثَلِ وَأَوْرَدَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى:
{ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ } [النَّجْم: 58].
{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } [آلِ عِمْرَانَ: 92].
{ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ } [يُوسُفَ: 51].
{ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ } [يس: 78].
{ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [الْحَجّ: 10].
{ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } [يُوسُفَ: 41].
{ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } [هُودٍ: 81].
{ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ }. { لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ }. { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } [فَاطِرٍ: 43].
{ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ } [الْإِسْرَاء: 84].
{ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [الْبَقَرَة: 216].
{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } [الْمُدَّثِّر: 38].
{ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ } [الْمَائِدَة: 99].
{ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } [التَّوْبَة: 91].
{ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } [الرَّحْمَن: 60].
{ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً } [الْبَقَرَة: 249].
{ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } [يُونُسَ: 91].
{ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى } [الْحَشْر: 14].
{ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فَاطِرٍ: 14].
{ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [الرُّوم: 32].
{ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ } [الْأَنْفَال: 23].
{ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [سَبَأٍ: 13].
{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [الْبَقَرَة: 286].
{ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ } [الْمَائِدَة: 100].
{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } [الرُّوم: 41].
{ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } [الْحَجّ: 73].
{ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ } [الصَّافَّات: 61].
{ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ } [ص: 24].
{ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ } [الْحَشْر: 2]. فِي أَلْفَاظٍ أُخَرَ.
المصدر : كتاب [ الإتقان في علوم القرآن | جلال الدين السيوطي ] النوع السادس والستون.