عرض مشاركة واحدة
قديم 07-05-2011, 06:10 AM   #5
شرواك
فريق المتابعة اليومية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2004
المشاركات: 20,000

 
مبتسم

تعليم الإنجليزية بين الترف والضرورة

اعتزازنا بلغتنا لغة القرآن.. يجب ألا يثنينا عن تعلم اللغات الأخرى.. خاصة تلك اللغات الحية التي يمكن أن يضيف لنا تعلمها فضاءً واسعا للتعامل مع العلوم الحديثة، ونافذة أخرى للبحث العلمي ومجاراة الآخرين في أخذ حقنا الطبيعي من مناهل العلم والمعارف التي لم تعد حكرا على لغة دون أخرى.. انطلاقا من قاعدة أن الحكمة ضالة المؤمن، وفي الأثر ''من تعلم لغة قوم أمن مكرهم''، وأمر الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ زيدا بن ثابت بتعلم لغة اليهود. ويبقى تعلم اللغات مفتاح الفهم الحقيقي للآخر.. أيا كان هذا الآخر.. سواء كان عدوا لا يؤمَن غدره، أو مسالما يمكن أن ينتفع بعلمه، هذا في المطلق، فكيف الحال إذن مع لغة كاللغة الإنجليزية التي تشكل اليوم اللسان الأول للعلوم الحديثة بمختلف تقنياتها ومباحثها في عالم تحطمت فيه كل الأطر والحدود.. لتنفتح على بعضها من خلال منظومة اتصال ضخمة.. تحتاج أول ما تحتاج إلى فهم هذه اللغة للتفاهم مع العالم، وتحديد موقع الأمة فيه من خلال المشاركة العلمية.

هذه المنطلقات لم تكن غائبة عن قرار مجلس الوزراء الموقر.. الذي اعتمد تدريس اللغة الإنجليزية ابتداءً من الصف الرابع الابتدائي.. اعتبارا من العام الدراسي المقبل 1432/1433 هـ.. كمدخل لتأسيس قوة لغوية جديدة لأبنائنا في مواجهة العالم المتقدم ومخترعاته ومنجزاته العلمية، وحتما لن يكون هذا على حساب لغتنا الأم، ولسان القرآن الكريم، بل سيكون رافدا ـــ بإذن الله ـــ لتقديم قيم القرآن للعالم بلغاته، ونقل رسالته إليهم باللغة التي يفهمونها، خاصة أن الإنجليزية أصبحت تحتل المرتبة الأولى في قاموس العلوم الحديثة، ولا يمكن بالتالي لمن أراد أن يقتحم هذا الميدان الواسع والعريض الذي تتأسس عليه معظم منجزات العصر.. أن يقدم ما لديه ما لم يكن ملما بهذه اللغة.

الغرب ذاته تنبه مبكرا لأهمية اللغات في كشف مغاليق الحضارات الأخرى، والاقتراب منها بشكل فعلي لإدراك تفاصيلها.. حيث بدأت الدراسات الاستشراقية مبكرا، وانهالت وفود المستشرقين صوب الوطن العربي والإسلامي في مراحل مبكرة جدا، بلغت ذروتها في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ونقلت صورة هذا العالم من الداخل إلى الغرب على أيدي أبنائه ممن تعلموا العربية وأتقنوا فنونها وآدابها وثقافاتها، واستطاعت الحضارة الغربية عن طريق هذا المدخل وقبل هذا التاريخ بكثير أن تنقل كل علوم مفكرينا للغرب، وهو ما تأسست عليه حضارتهم اليوم التي باتت تتحكم في مفاصل العلوم المتقدمة.

وهنا علينا أن نعترف بأننا ربما خسرنا الشيء الكثير من قدرات شبابنا وإبداعاتهم بسبب الضعف الواضح في تعليم هذه اللغة، واستخدامها هامشا إضافيا فقط، ومخرجات التعليم العام ـــ مع الأسف ـــ تشهد بحدوث هذا الضعف.. الذي قلل من حضورنا على ساحة المخترعات الحديثة. وأدّى بالتالي إلى بقائنا كأمة في خانة المستقبل، وهو ما عجل بصدور هذا القرار الحكيم الذي أراد أن يبكر بتعليم هذه اللغة؛ بغية استثمار ذهنية النشء الغضة والخصبة في المرحلة الابتدائية، لاستيعاب هذه اللغة بحيث لا تصبح مجرد مادة داخل المنهج، تنتهي علاقة الطالب بها بانتهاء الاختبار أو التقويم، إنما تمتد لتؤسس لجيل مختلف يستطيع أن يتعامل بهذه اللغة كلغة رديفة للغته الأم، ويستطيع بالتالي من خلالها أن يكسر حاجز التواصل مع ما يطرح من خلال تقنيات الاتصال الحديثة مع حضارات العالم.

والمطلوب الآن لترجمة هذا القرار بشكل فعلي، أن تكون لدينا كوادر تعليمية مؤهلة وقادرة على تعليم الإنجليزية بأسلوب حديث، بعيد عن التلقين، وهو ما تناوله القرار الوزاري.. حتى يُصبح في مقدورنا أن نلمس هذا الأثر في طلابنا وطالباتنا بشكل واضح؛ لأن التجربة السابقة مع المرحلتين المتوسطة والثانوية لم تؤت أكلها كما ينبغي، وهناك دراسات أشارت إلى وجود نسب عالية من التسرب في الجامعات التي تعتمد اللغة الإنجليزية في علومها.. ما أثر في مستوى التحصيل.
شرواك غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس