عرض مشاركة واحدة
قديم 21-08-2002, 11:49 PM   #1
الحر
ضيف
 
المشاركات: n/a

 

افتراضي هروب المال السعودي من أمريكا

هل نزف المال السعودي ظاهرة دائمة ام مؤقتة للجفوة القائمة!

لندن - حيدر البطّاط


--------------------------------------------------------------------------------

لم تمر العلاقات السعودية الامريكية في مرحلة توتر وتباعد ظاهر في العقود الاخيرة كما تمر به هذه الايام، وهو توتر تصاعد شيئا فشيئا في الآونة الاخيرة مع التصريحات المتكررة لشخصيات أمريكية بارزة القائلة بضرورة اعادة تقييم العلاقات مع الرياض بشكل آخر يتوافق مع النظرة الامريكية للارهاب، وحربها عليه.

وكان تقرير مؤسسة راند للدراسات الاستراتيجية، وهي الجهة التي تمثل كثيرا من فكر واسلوب عمل الصقور في الادارة الامريكية، تصعيدا نُظر إليه على أنه أكثر التحولات ملموسية في رسم صورة الشقوق التي بدأت في الظهور على حائط العلاقات الامريكية السعودية المتين والمبني على مصالح ومنافع مشتركة تعود إلى النصف الأول من القرن الماضي. أما آخر حلقات الشد والجذب في هذه العلاقات فقد كان الانباء التي تقاطرت حول بدء السعوديين في سحب استثماراتهم الضخمة من أسواق المال الامريكية.

وقدرت بعض الجهات الاقتصادية رد الفعل السعودي الرافض للاتهامات الامريكية برعاية التشدد الديني بسحب 100 إلى 200 مليار دولار خلال الايام القليلة الماضية، من مجموع استثمارات سعودية خاصة وعامة في الخارج تقدر بنحو 500 إلى 700 مليار دولار تستوطن غالبيتها بشكل دائم في نسيج الاقتصاد الامريكي.


الخطوة السعودية بسحب جزء من استثمارتهم رسالة موجهة للإدارة الامريكية تدعوها إلى التأني والسيطرة على موجة الكراهية للسعودية التي تجتاح الولايات المتحدة، والتي تجد لها اصداء واسعة وشبه يومية في وسائل الاعلام الامريكية، جنبا إلى جنب مع الحملة على العراق.

محللون ماليون ورغم أن الاسواق لم تستجب بالحماسة والحساسية المتوقعة منها على أنباء مؤثرة كهذه، باعتبار أن مبالغ بهذا الحجم لا تتحرك بهذه السهولة خلال فترة قصيرة، كما أن سحب اموال يتم بدوافع سياسية ساخنة تارة، وباردة تارة أخرى.

حرص مشترك

كما أن المحللين لا يرون وجود قلق، مباشر على الاقل، من حملة هجرة منظمة للمال السعودي من الولايات المتحدة إلى مواقع أخرى، إذ يظل الاقتصاد الامريكي الاكثر جاذبية والاكثر امانا بالنسبة للمستثمر السعودي الخاص.

ويعتقدون أيضا أن هناك حرصا شديدا من الرياض على عدم تأجيج الازمة القائمة بالفعل، وأن ما حدث ربما يظل في اطار تقليص أو تخفيف التدفق الاستثماري السعودي للولايات المتحدة، وليس أكثر.

وربما كان السبب الاكثر اهمية هنا هو حرص السعوديين على عدم ايذاء استثماراتهم الطويلة الامد في الاقتصاد الامريكي، الاكبر في العالم، والذي يمر حاليا في مرحلة من الهشاشة يمكن أن تجعله مكشوفا للأضرار أكثر من أي وقت مضى.

التهم طالت الامير سلطان فهم يرون أن سحب الاستثمارات، إذا ما نزع عنه البعد السياسي، سيكون خطأ كبيرا، إذ لا توجد أسواق جذابة ومسيلة للعاب أكثر من الاسواق الامريكية.

ناقوس خطر

لكن مهما كانت الاسباب التي تجعل من فكرة سحب أموال بهذه الضخامة مستبعدة في أحسن الاحوال، يرى خبراء الاقتصاد أن مجرد التفكير بأمر كهذا يجب أن يكون دقا لناقوس خطر لدى كلا الجانبين.

وعلى واشنطن والرياض العمل على تفادي الانزلاق في مهوى لا يعرف عمقه قد يتسبب بالفعل في اعطاب العلاقة الحميمة بينهما على نحو يصعب اصلاحه، وقد يترك هذه العطب ندوبا يستحيل التخلص منها في السنوات المقبلة.

وليس من المصادفة أن يشتكي عدد من المصرفيين السعوديين من طبع الحملة الامريكية السعوديين كافة في نظر الامريكيين بطابع الارهاب، وهو ما تسبب في ذعر المستثمرين من عملائهم المحليين، وبالتالي مطالبتهم بسحب استثماراتهم من الولايات المتحدة إلى مكان أكثر أمنا.


مهما كانت الآراء تظل العلاقات السعودية الامريكية قائمة ومتينة على المدى المنظور أكثر منها متوترة أو متباعدة، ذلك لأنها قائمة على مصالح حيوية لا يمكن للطرفين الاستغناء عنها

خبراء مصرفيون يشار إلى أن الدعوى التي رفعها أقارب المئات من ضحايا احداث الحادي عشر من سبتمبر إلى محكمة في واشنطن أخيرا، والتي طالبوا فيها بتعويضات تقدر بأكثر من ترليون (ألف مليار) دولار، كانت سببا في جعل السعوديين ينظرون إلى الموضوع بتخوف وخشية اكبر بكثير من السابق.

والخطورة السياسية لهذه الدعوى تتمثل في أنها تطال ثلاثة أمراء سعوديين، بينهم وزير الدفاع والشخصية الثالثة في العائلة الحاكمة السعودية، بأنهم مولوا زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن، بمشاركة بنوك والحكومة السودانية.

لكن مراقبين آخرين يرون في الخطوة السعودية بسحب جزء من استثمارتهم رسالة موجهة للإدارة الامريكية تدعوها إلى التأني والسيطرة على موجة الكراهية للسعودية التي تجتاح الولايات المتحدة، والتي تجد لها اصداء واسعة وشبه يومية في وسائل الاعلام الامريكية، جنبا إلى جنب مع الحملة على العراق.

البعد العراقي

كما قد يكون الرفض السعودي بانطلاق هجمات من اراضيها لغزو العراق أو تغيير نظامه سببا من أسباب الحملة الامريكية على الرياض، والذي وصل في بعض مراحله (تقرير مؤسسة راند) إلى اعتبارها العدو الاول للأمريكيين في المنطقة بعد أن كانت من الحلفاء الاقرب ولعقود مضت.

وتجدر الاشارة إلى أن النزعات الحادة في سحب الاستثمارات السعودية الاخيرة تشبه إلى حد بعيد النزف القوي لنفس الاستثمارات من الاسواق الامريكية في اعقاب احداث سبتمبر، والتي استمرت لعدة أشهر بعد ذلك حتى استقرت بعد ذلك مع تطمينات صدرت من المسؤولين الامريكيين هدفت إلى تهدئة المخاوف.

التهم تزعم أنه حصل على تمويلوهاهي الآراء تتباين وتختلف بين الخبراء في تقييم تأثير وبقاء ظاهرة جدية كهذه، فبعضهم يرى أنها لم تختفي بالسهولة التي قد يتصورها المرء، بل ويذهبون إلى القول بأنها هي التي ستشكل زاوية النظر الجديدة التي ستحكم العلاقات بين البلدين.

أما آخرون فيرون أنها ليست سوى ظاهرة مؤقتة تختفي من تلاشي مسبباتها، المتمثلة في توتر تكتيكي يراد منه تحقيق اهداف ابعد من مجرد القاء الاتهامات على أحد أهم حلفاء واشنطن ومصدر اساسي من حاجتها للطاقة.

ومهما كانت الآراء تظل العلاقات السعودية الامريكية قائمة ومتينة على المدى المنظور أكثر منها متوترة أو متباعدة، ذلك لأنها قائمة على مصالح حيوية لا يمكن للطرفين الاستغناء عنها، فالسعوديون يحتاجون للحماية الامريكية، كما هو حال الامريكيين في حاجتهم الماسة للنفط والمال السعودي.

وهذه الحاجة تتعمق وتتسع مع مرور الزمن، رغم السيناريوهات التي ترسم صورا كئيبة وربما مأساوية للخطط الامريكية في إعادة رسم المنطقة على أسس جديدة تتفق مع كونها القوة العظمى والوحيدة في العالم، وكونها المنتصر من حرب باردة استمرت قرابة اربعين عاما، وللمنتصر كل الغنائم، كما يقال في الغرب.
  رد مع اقتباس