عرض مشاركة واحدة
قديم 16-02-2011, 04:36 AM   #19
يد النجر
فريق المتابعة اليومية - عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 15,043

 
افتراضي

رؤية
سوقنا المالية.. سبحان مغيّر الأحوال
عبدالحميد العمري*

كم هو الفارق كبيرٌ وكبيرٌ جداً بين مقطعين زمنيين من عمر السوق المالية السعودية، المقطع الأول للفترة من مطلع 2003م إلى منتصف الربع الأول من عام 2006م، والمقطع الثاني من المنتصف الثاني للربع الأول من عام 2006م إلى يومنا الراهن! حمل كل مقطعٍ منهما ما تنوء به الجبال من المتغيرات والتطورات، لعبتْ أدواراً حاسمةً في صناعة اتجاهات السوق المالية، بسلبياتها وإيجابياتها، بحلاوة الشهد أولاً ثم بمرارةٍ ولا أقسى منها ثانياً. قد يكون حديثا ملَّ من تكراره الكثير إن لم يكن جميع من خاض تجربة التعامل في السوق، غير أنه حديثٌ أصنفه بالسطحية أحياناً، وأحياناً أخرى يُمكن وصفه بالمراوغ والقافز على الحقائق! ودليل ذلك أن علل وأمراض السوق المالية تتفاقم عاماً بعد عام، وتسير من سيئٍ إلى أسوأ، ما يعني أن أغلب وصفات علاجه من بعد 26 فبراير 2006م اتشحتْ بكل أسف بالفشل الذريع! ولا تبتعد في فشلها عن إفلاس وجمود حلول تطوير السوق في ما قبل ذلك التاريخ المفصلي في عمر السوق المالية السعودية.

طبعاً أصبح الصغير منّا والكبير يحفظ عن ظهر قلب العبارة الماكرة (السوق عرض وطلب)، وأن السوق تخضع لقوى وتفاعل طرفي هذه العبارة؛ بمعنى أن مستويات أسعار الأصول المدرجة في السوق تتحدد بموجب ما تُفضي إليه "مفاوضات" المشترين والبائعين عبر عروضهم وطلباتهم الآنية، وبناءً عليه فكما ترى الجهات الإشرافية أن لا تتدخل أبداً في الفصل بينهم، شرط أن تتم تلك "المفاوضات" بما لا يتعارض مع الأنظمة واللوائح، فهل هذا صحيح؟! أُجيب باختصار أنه غير صحيح على الإطلاق؛ ذلك أن حتى العبارة الماكرة المذكورة أعلاه لم تكن متحققة على أرض الواقع قبل فبراير 2006م، واستمرّت في عدم تحققها حتى في ما بعد تلك الفترة. إذ لم تشهد السوق المالية قبل الانهيار أي نوعٍ من التوازن بين العرض والطلب؛ ذلك أن قوى الطلب ظلّتْ تتعاظم مقابل شلل قوى العرض بصورةٍ خرجت عن المألوف من عمر السوق، وخرجتْ عن السيطرة لسببٍ وحيد تمثّل في تهاون وتأخّر وقصورٍ في الفهم من قبل الجهات الإشرافية وذات العلاقة بالسوق، شهدتْ دون حراكٍ منها إلا بعد فوات الأوان دخول أكثر 2.9 مليون مستثمر، ضخّوا عشرات المليارات في سوقٍ ضحلة جداً، وزاد من الاشتعال تسهيلاتٌ بعشرات المليارات من البنوك، في مقابل ألا حراك يُذكر على مستوى توسيع نوافذ العرض، فلم تتجاوز الاكتتابات آنذاك سقف 9 اكتتابات، ولم تشهد السوق أي زيادةٍ في العرض من حصص المؤسسات والصناديق الحكومية لتعويض شح الاكتتابات على أقل تقدير، فهل يُراد منّا بعد كل هذا أن نصدّق مقولة (السوق عرض وطلب)؟!

وتتكرر الأخطاء ذاتها بعد فبراير 2006م، ولكن بصورةٍ مقلوبة هذه المرة، جاء فهم الخطأ المذكور أعلاه متأخراً بالطبع، وزاد من فشله أن فُهِم أيضاً بصورةٍ خاطئة! تحركت السلطات النقدية (ساما) متأخرةً للحد من التسهيلات والقروض الاستهلاكية بعد تورّط الأغلبية فيها، وجاءت وزارة التجارة وهيئة السوق بنحو 68 شركة مدرجة بهدف تعويض التضخم المبالغ في أسعار الأصول المدرجة قبل فبراير 2006م، بشركاتٍ مساهمة مجدية! وهو ما لم يتحقق للأسف إلا ما عصم ربي في بضعِ شركاتٍ لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة! فيما تخطّف مصير بقية تلك الإدراجات خسائر رأسمالية قضتْ على أكثر من 50 في المئة من حقوق المساهمين، وأخرى حافظتْ على الحد الأدنى من الإيمان، فلم تخسر ولم تربح! ولن نتحدّث عن ذات العلاوات ل 28 شركة (بلغتْ فاتورة العلاوة الإجمالية 21.8 مليار ريال، نحو 60.4 في المئة من القيمة الإجمالية)، فقد تهالك بنيان أغلبها حتى وصلتْ إلى أسعارها الدفترية وأدنى من ذلك أحياناً، كأن لسان حال المستثمرين يقول: لسهمٌ مبالغٌ في سعره ولكنه يحقق أرباحاً خيرٌ لي من سهمٍ سعره خالٍ من التضخم والكولسترول أيضاً ولكن خسائره تتفاقم عاماً بعد عام حتى أوشك على الإفلاس.

تأخرت الحلول سابقاً، وحينما أتتْ لاحقاً جاءت خاطئة، فماذا كنّا سنجني من ثمرة هذه التجارب غير المدروسة، وغير العقلانية، وغير الاقتصادية، وغير المالية، إلا ما نواجهه اليوم من سوقٍ مالية لم تعرف العمق حتى تاريخه، وكيف ستعرفه ولا يزال نحو 95 في المئة من أرباحها الإجمالية يتأتى من نحو 20 شركة فقط (كلها مدرجة قبل فبراير 2006م)؟! خلاصة القول: إننا نجني ثمار من تأخّر في الحلول، وخطأ من أعتقد بأنه جاء بتلك الحلول! وخلاف مواجهة هذه الحقيقة ومحاولة حلها فلا يتعدّى (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا)..

* عضو جمعية الاقتصاد السعودية
يد النجر غير متواجد حالياً