الموضوع: اصدق ما قرأت
عرض مشاركة واحدة
قديم 21-05-2006, 03:19 AM   #56
مبرمج محمد
متداول فعّال
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
المشاركات: 160

 
افتراضي

البنوك.. الخصم والحكم
د. عبد العزيز الغدير - - - 22/04/1427هـ


لا أحد يستطيع أن ينكر دور البنوك في النظام المالي الذي يعتبر عصب النظام الاقتصادي والعنصر الحاسم في نموه أو انحساره، لذا ما انفكت الحكومات تشجع هذا القطاع المهم والحيوي ليلعب دوره الحقيقي في التنمية الشاملة في البلاد، ويبدو أن هذه الروح الإيجابية تجاه البنوك، خاصة في البلدان النامية أشعرت البنوك بالرعوية الأبوية فجعلتها أكثر استرخاء، فكما هو معروف الحماية تورث الكسل.
وبنوكنا في المملكة العربية السعودية وجدت رعاية لا مثيل لها، حيث حمتها الدولة من المنافسة الشديدة، حتى أنها تشددت بل أوقفت منح التراخيص لتأسيس بنوك جديدة، ونتيجة لذلك حققت البنوك أرباحا خيالية دون عناء في زمن قصير حتى شبهها أحدهم بأرباح تجارة محرمة (أحدها يعلن عن أكثر من 800 في المائة) نتيجة السيولة الكبيرة ومحدودية البنوك (يوجد في المملكة 12 بنكا مقابل 100 مصرف وبنك في البحرين فقط).
معظم بنوكنا المحلية حقيقة لا تستحق أن تسمى بنوكا لأنها لا تلعب الدور الحقيقي للبنوك في دفع عجلة التنمية الشاملة إلى الأمام، فهي لا تتعدى أن تكون خزائن مالية تودع بها أموال الناس لتقرضها لآخرين مقابل شروط تضمن لها الوفاء بنسبة تقارب 100 في المائة وبفوائد مركبة، وبدلاً من اتجاه البنوك إلى القروض الإنتاجية نجد أنها اتجهت إلى القروض الاستهلاكية للأفراد بضمان رواتبهم المحولة إليها، مما أوصل حجم القروض الاستهلاكية إلى رقم فلكي، فقد بلغ حجم هذا النوع من القروض 160 مليار ريال في نهاية عام 2005م.
ورغم علم البنوك أن القروض الاستهلاكية غير ذات قيمة مضافة كما القروض الإنتاجية.. إن لم تكن ذات آثار سلبية (كون الأغلبية وجهت لسوق الأسهم الخطير).. إلا أنها توسعت في تقديمها للمواطنين وحفزتهم على ذلك من خلال الاتصالات المباشرة والحملات الإعلانية حتى أوقعتهم في حبائلها، ذلك أن الفوائد التي تتقاضاها البنوك من الأفراد أعلى من تلك التي تتقاضاها من منشآت القطاع الخاص على الرغم من أنها تخدم المصدرين الخارجيين على حساب الاقتصاد الوطني.
معظم بنوكنا للأسف الشديد لا تحمل فكرا استراتيجيا يدفعها لتلعب دورها الحقيقي في التنمية في البيئة التي تنشط بها وبالتالي تفيد وتستفيد - فهي ستحقق عوائدها من أفراد تلك البيئة - لكنها أصبحت كتاجر شنطة يلهث وراء كل فرصة تحقق عوائد مالية كبيرة حتى وإن كانت غير مكررة وعلى حساب البيئة الاستثمارية والاقتصاد الوطني، وذات آثار سلبية على أفراد المجتمع على المدى البعيد.
معظم بنوكنا التي حققت أرباحا مضاعفة في السنوات الثلاث الماضية التي واكبت طفرة الأسهم، لعبت دورا أنانيا ينم عن إنكار للمعروف الذي حبتها به الدولة، فبدل أن تسهم هذه البنوك في البحوث والدراسات التي تمكن مجتمع الأعمال من تلمس الفرص الاستثمارية ومعرفة الاتجاهات العامة للقطاعات الاقتصادية، وتحفزهم لاغتنامها من خلال برامج الدعم المالي التي تحقق مصلحة الطرفين بتحقيق المصلحة العامة، اتجهت لما هو أسهل لتحقيق الأرباح على حساب المصلحة العامة.
هذه البنوك ألهبت الصفيح الساخن الذي تقف عليه هيئة السوق المالية نتيجة تأسيسها والسوق جمرة تزداد لهيبا بمرور الوقت، إذ إنها بدل أن تسهم في توعية عملائها بالاستثمار في الأسهم وتحذرهم من مخاطرها وهي تعلم ذلك، قامت بمنحهم القروض لمدة عشر سنوات وهي تعلم علم اليقين أنهم سيتجهون بها لسوق الأسهم الذي يعاني من سيولة كبيرة، ولم تقف عند هذا الحد بل أخذت بإغراء المتعاملين لمنحهم امتيازات تمكنهم من التعامل بضعف رؤوس أموالهم فزادت الطين بلة وهي تدرك أن السوق يعاني من تضخم بالأسعار نتيجة السيولة المرتفعة وضحالة السوق. حتى إنهم وفي ظل تضخم الأسعار وقبل انهيار السوق بأشهر قليلة قاموا بحملة يمكن تسميتها "دبل محفظتك دون عناء تخسر مالك كشرب الماء" وتقوم على إعطاء تسهيلات بنظام مرابحة إسلامية وبأرباح محددة وكانت حملة تسويقية وصلت بالعديد من المساهمين للإفلاس فالكثير منهم أثناء الانهيار باع أسهمه بخسارة فادحة والبعض تم تصفيتها لهم بواسطة البنوك والبعض أصبحوا مديونين للبنوك حاليا بسبب عدم كفاية قيم أسهمهم المباعة لما تم اقتراضه، وفي اعتقادي أن هذا الأمر يجب ألا يمر مرور الكرام دون تحقيق من الجهات الرسمية عن الداعي للتوسع بالتسهيلات بالرغم من انهيارات أسواق الجوار في ذلك الوقت وبداية الحديث عن انفجار فقاعة الأسهم الخليجية.
إذا أضفنا لذلك الصناديق الاستثمارية التي فتحتها البنوك للمتاجرة بسوق الأسهم حيث قامت هي الأخرى بدور التاجر وأدخلت المزيد من المليارات إلى هذه السوق الضحلة فساهمت برفعها إلى أعلى وهي تعلم أن أسعارها غير منطقية وأنها آيلة للسقوط لا محالة، ولكن ما هي المشكلة فهذه الأموال أموال الضعاف وهي تأخذ رسومها وعمولاتها بيعاً وشراءً على كل حال.

البنوك استفادت من نقل تداول الأسهم من المكاتب العقارية إلى التداول الإلكتروني فأصبحت وسيطة بحكم هذا الدور، حصلت على مليارات الريالات سنويا ( 13 مليارا عام 2005م ) نتيجة العمولات التي تتقاضاها لعملها هذا ولم تكتف بذلك بل لعبت دور المنافس لعملائها من خلال صناديقها الاستثمارية وإن كان هذا يشكل تضارب مصالح لا تقوم به مؤسسة تحترم نفسها أولا وعملاءها ثانيا.
خلاصة القول إن البنوك التي أصبحت أحد أكبر المتعاملين بسوق الأسهم (مقرض، وسيط، مضارب، مسيل) لعبت دورا كبيرا في أزمة سوق الأسهم حيث ساهمت مساهمة كبيرة في الارتفاع الحاد والجنوني لأسعار الأسهم، كما أنها ساهمت مساهمة كبيرة في تعجيل وتيرة الهبوط الحاد من خلال تسييل محافظ عملائها الذين أغرتهم بالامتيازات ووقعتهم على عقود إذعان لا يعلم تفاصيلها إلا الراسخون في القانون ، فهل نجد من يحاسبها أولا ويمنعها من القيام بهذا الدور ثانيا لكي لا تتكرر المأساة مرة أخرى؟
مبرمج محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس