عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2011, 12:35 PM   #486
شرواك
فريق المتابعة اليومية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2004
المشاركات: 20,000

 
تعجب

ليست دولة في مجاهل إفريقيا .. إنها الولايات المتحدة

لا نتحدث هنا عن اليونان أو البرتغال أو إسبانيا أو إيطاليا، ولا نتحدث عن دولة ناشئة أو نامية، وبالتأكيد لا نتحدث عن دولة في مجاهل إفريقيا. إنها الولايات المتحدة ''بشحمها ولحمها''، التي دخلت قوائم الدول التي اعتادت انخفاض وارتفاع تصنيفها الائتماني! إنها الولايات المتحدة، التي فقدت جزءاً من هيبتها الاقتصادية، باندلاع أزمة اقتصادية عالمية من قلبها، دفعت إدارتها الديمقراطية إلى الاعتراف بأنها غير قادرة على مواجهة الأزمة بمفردها، فما كان من الإدارة إلا أن أطلقت شعار ''الإشراك'' في التصدّي للأزمة، بعد أن أشركت العالم في مصائبها. والحقيقة أن هذا الاعتراف لا يضير الدولة العظمى. فالذي كان يضيرها بالفعل، مواقف الإدارة الأمريكية التي سبقتها، والتي كانت تصر على أن الولايات المتحدة، لا تزال تمسك بزمام المبادرة الاقتصادية كما السياسية.

لقد عشنا لنرى لأول مرة في التاريخ، أن الولايات المتحدة - كغيرها من باقي الدول - تصاب بانخفاضات في وزنها الائتماني. والوزن الائتماني هو في الواقع أحد معايير الهيبة، وشكل من أشكال القوة الاقتصادية. فلم تتردد وكالة ستاندارد آند بورز الأمريكية العملاقة، في تخفيض التصنيف المالي للولايات المتحدة. والحقيقة أن خطوة الوكالة تمثل تقدما كان مطلوبا من كل الوكالات المماثلة الكبرى، لتكون أكثر شفافية ونزاهة، خصوصا أن مثل هذه الوكالات أسهمت بصورة مباشرة في انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية، عن طريق تصنيفات مرتفعة غير واقعية لدول ومؤسسات ومصارف كبرى، تورطت كلها في الأزمة، وبالتالي في الخراب المالي الذي نتج منها. ماذا حدث بعد التصنيف التاريخي للوضع المالي للولايات المتحدة؟ دعا البيت الأبيض (تغمره لهفة تاريخية أيضا) الحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى ''الوحدة من أجل إنعاش الاقتصاد والموازنة''. وهذا يدل على أن الولايات المتحدة، لم تعد تتحمّل خلافات سياسية بمآرب مختلفة حول اقتصادها، وأن الوضع الاقتصادي بلغ من السوء حداً يتطلب الوحدة الوطنية، تماما كما يحدث في الدول التي تخوض حروبا.

وفي الواقع، أن الولايات المتحدة تخوض بالفعل حربا اقتصادية داخلية، لا تقل أهمية عن أية حروب تقليدية. وتكفي الإشارة إلى أن العجز في الموازنة العامة بلغ مجموع إجمالي الناتج المحلي في البلاد، فلم تعد - مثلا - أفضل من إيطاليا في هذا المجال. وفي ظل هذه الحقيقة المفجعة، تدور معارك سياسية حول اقتصاد البلاد، تزيد من حدة الرعب الذي ينتاب الأمريكي العادي، الخائف على مستقبل ديونه ووظيفته، وحتى المصير المعيشي لأسرته. نعم ليس أمام السياسيين الأمريكيين سوى الوحدة، فالسلوكيات السياسية التي كانت تنفع قبل الأزمة الاقتصادية العالمية، لا تنفع بعدها، بل على العكس، ترفع من وتيرة فقدان هيبة دولة تتمتع بأكبر اقتصاد في العالم. وإذا ما أخذنا في الحسبان المؤثرات الدولية الأخرى، فإن أحداً لا يضمن للولايات المتحدة احتفاظها بهذا اللقب، الذي استطاعت من خلاله أن تحقق سطوة اقتصادية لا مثيل لها، وإن كانت عن طريق الديون. فديون القوي والمتماسك (على عكس ديون الضعيف والهش) لا تعتبر هما عليه، لكن الذي يحدث على ساحة الدولة الأقوى في العالم، أن الديون بدأت تظهر أعباؤها وهمومها وتبعاتها، الأمر الذي سيدفع مستقبلا وكالات مشابهة لوكالة ستاندارد آند بورز، إلى مزيد من الشفافية والنزاهة، ومنح الولايات المتحدة التصنيف الذي تستحقه، بصرف النظر إذا ما كان السبب في ذلك، خلافات ثأرية سياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين، أو أن البلاد لم تعد تستطيع الوقوف في طريق الخسارة المستمرة لهيبتها.

إنها بكل المقاييس مسألة تؤسس لتحولات تاريخية، سترفع من كان صغيرا، وتخفض من كان كبيرا. إنها أيضا من بؤس أزمة عالمية (لم تنته بعد) لم يكن أبطالها سوى الكبار أنفسهم.
شرواك غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس