عرض مشاركة واحدة
قديم 18-06-2005, 07:42 PM   #41
مغامرالاسهم
متداول جديد
 
تاريخ التسجيل: Sep 2004
المشاركات: 40

 
افتراضي

تعدد مصادر الدخل ـ3ـ
إعادة توطين الثروة الحيوانية





حمد بن عبدالله اللحيدان
مما لا شك فيه أن النهضة الاقتصادية التي خاضتها المملكة خلال العقدين الماضيين أدت إلى تطورات كثيرة في قطاعات اقتصادية مختلفة ولعل من أهم تلك المتغيرات ما شهده كل من قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية إلى حد يفوق بكثير ما كان عليه الوضع قبل مرحلة النقلة الاقتصادية الكبرى التي شهدتها البلاد.







أما من الناحية التاريخية فإن الإنسان العربي ظل عبر العصور معتمداً اعتماداً شبه كامل على الثروة الحيوانية حيث أن عملهم ومعيشتهم كانت تعتمد على رعي الماشية ناهيك عن التنقل والترحال بحثاً عن مناطق توفر الماء والمرعى وكان ذلك من أهم ما يميز حياة عرب الجزيرة إلى عهد قريب. أي أن الثروة الحيوانية كانت جزءا لا يتجزأ من الحياة الاقتصادية والاجتماعية لهم. ليس هذا فحسب بل أن بعض أبناء البادية قبل توحيد المملكة كانوا يقومون بعمليات الغزو التي تعتمد على النهب والسلب للإبل والغنم والسبب في ذلك غياب النظام والأمن فكان الناس لا يأمنون على ممتلكاتهم من الحيوانات أن تنهب من المراعي حتى قيظ الله لهذا الوطن الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ الذي وحد المملكة وثبت الأمن وقضى على هذه العادة الذميمة. ولم يتوقف دور الدولة عند هذا الحد بل أن حكومة المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين أولت الثروة الحيوانية عناية وتشجيعا خاصين تتمثل في إعانات الأعلاف مثل الشعير وإيجاد الموارد المائية في المراعي بالإضافة إلى مخصصات شهرية وعوائد سنوية لبعض أفراد البادية ناهيك عن توفير الخدمات البيطرية والأبعد من ذلك والأهم أثرا هو العمل والجهد الذي بذله الملك عبدالعزيز في سبيل توطين البادية وكانت أهم مناطق التوطين في عهده وادي السرحان وهجر العقلة الحفير والشجيع والشعبيات والرخمة والعزيف والمسليحية وهوقان ووادي تربة وغيرها كثير كما تم في عهد الملك فيصل إنشاء مشروع توطين البادية في حرض وقد كان لتلك المشاريع أثر واضح على توطين كثير من أبناء البادية بصورة كلية أو جزئية وقد انعكس ذلك على الاهتمام بالزراعة والثروة الحيوانية التي كان قوامها الإبل والضأن والماعز وهذا الاهتمام كان مقروناً بعمل آخر لا يقل أهمية وهو حماية النباتات والأشجار البرية من جور الرعي والاحتطاب وذلك لحماية المراعي من التدهور والانحسار وقد صدر أول نظام لذلك في عهد الملك عبدالعزيز وهو ما سمي بنظام الأحمية تلي ذلك أمر ملكي عام 1373هـ موجه إلى أمراء المناطق ينص على تنظيم الأحمية (الأحمية عبارة عن المراعي ومنابت الشجر) وينص ذلك النظام على منع الرعي والاحتطاب الجائر وذلك للمحافظة على الغطاء النباتي ليستفاد منه وظل ذلك معمولا به حتى وقتنا الحاضر. وعلى العموم فإن أهم مقومات الثروة الحيوانية لدى البادية هي الإبل والغنم إلا أنه مع الزيادة السكانية لأبناء المملكة وزيادة عدد الوافدين من خارج البلاد والذي جعل سكان المملكة يصل إلى عشرين مليون نسمة والذي أدى إلى أن أصبحت كمية اللحوم المستهلكة كبيرة جداً لا تفي بها المصادر المحلية مما ترتب عليه الاتجاه إلى الاستيراد من الخارج والذي جعل المملكة من الدول المستوردة للحيوانات بجميع أنواعها وعندما لاحظت الدولة ذلك قامت بدعم وتشجيع مشاريع الاستثمار في مجال الثروة الحيوانية سواء كانت إبلا أو أبقارا أو أغناما وكذلك دعم مشاريع إنتاج الدجاج اللاحم وذلك عن طريق تقديم قروض وتسهيلات أخرى مثل الأرض وغيرها. وقد نجحت مشاريع الدجاج اللاحم بصورة كبيرة وجيدة ووفرت كمية جيدة من حاجة السوق المحلي من اللحم والبيض. كما أن مشاريع الالبان حظيت بالدعم والتشجيع فأصبحت كثيرة وناجحة بحيث سدت حاجة جزء كبير من السوق المحلية من الألبان ومنتجاتها الأخرى. إلا أن الملاحظ هو الارتفاع النسبي لأسعار كل من منتجات الدجاج والألبان وكذلك واستمرارا لهذا المنوال فانه يحسن بنا الاهتمام بكيفية وكمية الإنتاج في مجال الثروة الحيوانية بحيث نصل إلى الاكتفاء الذاتي ويصبح الإنتاج المحلي منافسا للمستورد من الحيوانات فالثروة الحيوانية تعتبر من مقومات الأمن الغذائي من ناحية وكمصدر من مصادر الدخل من ناحية أخرى خصوصاً مع النجاح الكبير الذي تحقق لكل مشاريع إنتاج الدجاج اللاحم والبيض وكذلك مشاريع إنتاج الألبان ومشتقاتها.







هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإننا نلاحظ أن الاستثمار في مجال توطين وإنتاج الأغنام ممثلة بالضأن والماعز وكذلك الإبل والأبقار لا يزال متواضعاً رغم تشجيع الدولة هذا النوع من الاستثمار وخير دليل على ذلك ان الكميات المستوردة في تزايد مستمر فعلى سبيل المثال لا الحصر زاد عدد الإبل المستوردة من (10) آلاف رأس عام 1406هـ إلى (51) ألف رأس عام 1414هـ ناهيك عن تواضع أعداد الحيوانات المتواجدة في المملكة بالنسبة لحاجة البلاد واستهلاكها فعلى سبيل المثال جاء في إحصائيات وزارة الزراعة والمياه في المملكة لعام 1418هـ أن أعداد تلك الحيوانات عام 1416هـ كانت على النحو التالي الماعز (,6200000) رأس والضأن (,10620000) رأس والبقر (,275000) رأس والإبل (,785000) رأس وبالطبع فإن كثيرا من النقص الذي يحدث نتيجة الاستهلاك يتم التعويض عنه عن طريق الاستيراد وعلى الرغم من وجود بعض المشاريع المتخصصة في الإنتاج الحيواني مثل شركة المواشي وشركة لبون للإنتاج الغذائي شركة الوطنية جزء من شركة العزيزية بندة إلا أن أغلب تلك المشاريع تعتمد على الاستيراد بصورة رئيسية والإنتاج المحلي بصورة أقل. وعلى أية حال فإن هناك قلة في المراجع البحثية التي تقيم الثروة الحيوانية في المملكة العربية السعودية بصورة دقيقة ناهيك عن غياب دراسات الجدوى الاقتصادية التي لا يشك أحد في مدى أهميتها بالإضافة إلى غياب المستثمر القادر في هذا المجال الحيوي خصوصاً أن المملكة حسب ما أشارك إليه بعض الدراسات تشتمل على أكثر من 20% من مجموع المراعي في العالم العربي وذلك لكبر مساحتها وتنوع طبوغرافيتها. إن وزارة الزراعة والمياه كانت ولا زالت تبذل جهودا جبارة في مجال الزراعة والمياه وكذلك في مجال الثروة الحيوانية والآن وبعد أن تم الإعلان عن إنشاء وزارة خاصة بالمياه فإن وزارة الزراعة والمياه يمكن تحمل اسم وزارة الزراعة والثروة الحيوانية مما يجعلها مؤتمنة على الأمن الغذائي بشقيه النباتي والحيواني وبالطبع فان هذين الشقين يعتمدان على بعضهما البعض لذلك فان وزارة الزراعة والثروة الحيوانية يمكن أن تقوم بالإضافة إلى جهودها في مجال استصلاح الأراضي ودعم المشاريع الزراعية بتنويع اهتماماتها بحيث تشمل تشجيع الاستثمار في مجال إنتاج الأعلاف محلياً بدلاً من الاستيراد هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يحسن أن تقوم الوزارة بالعمل على إعادة الغطاء النباتي للأودية المتصحرة وإعادة نمو الغابات التي اندثرت أو التي تكاد أن تندثر وكل ذلك بصورة متزامنة مع الخطط المبرمجة في إعادة توطين الثروة الحيوانية التي أصبحت البلاد تعتمد على استيرادها من الخارج وما يترتب على ذلك من نزف لمبالغ مالية طائلة ثمنا لما يتم استيراده ناهيك عن أن الاستيراد يجلب مع تلك الحيوانات أمراضا غير معروفة في هذا البلد المعطاء مثل حمى الوادي المتصدع والحمى القلاعية وغيرها. إن الهدف في هذا المجال يجب أن لا يكون محدوداً بتوفير ما يكفي للأمن الغذائي بل يجب أن يكون مشروعاً وطنياً طموحاً يحول المملكة من دولة مستوردة إلى دولة مصدرة لذلك فان الاستثمار في الثروة الحيوانية بجميع أنواعها سوف يكون له عائد مربح على المستوى المحلي فشعب المملكة يستهلك كميات كبيرة من اللحوم بحكم عاداته ناهيك عن وجود مواسم الحج وعيد الأضحى المبارك اللذين يؤديان إلى استهلاك أعداد هائلة من الأضاحي والهدي ناهيك عن كونه مربحاً إذا أصبح هناك فائض يمكن تصديره فهناك الكثير من الدول التي تحتاج إلى اللحوم ولا توجد بها خطط للإنتاج الحيواني المبرمج.







إن وجود مشاريع استثمارية جبارة في مجال الثروة الحيوانية سوف يكون له انعكاسات كثيرة تتمثل بعض منها في خلق فرص عمل لعدد كبير من الناس سواء كمستثمرين أو موظفين أو رعاة أو العمل في الأمور المساندة لهذه المشاريع مثل الزراعة وإنتاج الأعلاف أو النقل أو البيع وغيرها ناهيك عن ان توفر مثل هذه الثروة داخل البلد سوف ينعكس على أسعارها بحيث تكون التكلفة أقل مما هي عليه الآن وبالتالي يعمل ذلك على خفض تكلفة المعيشة ناهيك عن أن ذلك سوف يلغي استيراد كثير من اللحوم المصبرة والمبردة والمجمدة والمعلبة ولحوم الوجبات السريعة التي ضررها أكبر من نفعها مما سوف ينعكس إيجاباً على الوضع الصحي العام فاللحوم الطازجة أفضل وأصلح مما يعج فيه السوق حالياً من كل أنواع اللحوم المستوردة التي تحتوي على كثير من المواد المضافة الضارة بالصحة ناهيك عن ميزان المدفوعات.







لقد كان الآباء والأجداد يعتمدون إلى حد كبير على عناصر أساسية محلية في حياتهم فهم يعتمدون على التمر كغذاء وعلى منتجات النخلة الأخرى في البناء وصناعة كثير من أنواع الأثاث والحبال وغيرها وقد تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن الأهمية الاقتصادية للنخلة وتمورها. كما أنهم اعتمدوا على ثروتهم الحيوانية في الحصول على اللبن واللحم والصوف والجلود التي حولوها عن طريق الغزل أو الدباغة إلى منتجات تفي بأغراض الاستخدام اليومي مثل صناعة الملابس وبيوت الشعر والقرب والأحذية وغيرها وكان أهم عناصر ثروتهم الحيوانية الإبل وعلى أية حال فاننا اليوم نرى المستوردين يتنافسون على جلب كثير من أنواع الحيوانات التي كانت الجزيرة العربية مرتعا لها ومصدرا لها فهل نعيد لتلك الثروة الحيوانية اعتبارها ونعيد توطنها وخصوصاً الإبل التي تكاد تصبح اليوم مثلها مثل الخيل يتم امتلاكها للزينة والاشتراك في المسابقات التي أوجدتها حكومتنا الرشيدة لتكريم هذين النوعين من الحيوانات الهامين في حياة العرب والمسلمين وبهذا الخصوص لا ننسى أن الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ قد وحد الجزيرة العربية وكون المملكة العربية السعودية على ظهور الإبل وصهوات الجياد متبعاً سنة السلف الصالح من المسلمين الذين جاهدوا في الله حق جهاده. لقد كان الجمل رمزا مرافقا للعربي أينما ذهب فهو وسيلة نقله وثروته ومصدر رزقه صبور على العطش والجوع يقطع الفيافي والقفار لذلك سمي سفينة الصحراء لذلك فإن إعادة الاهتمام والاعتزاز بالإبل يصبح أمراً مرغوباً فهي مصدر اقتصادي واعد ناهيك عن إعادة رمز العرب إلى واجهة اهتماماتهم الاقتصادية.







إن التنسيق في مجال الاستثمار الزراعي والاستثمار في مجال الإنتاج الحيواني سوف يكون له مردود مؤكد وعند نجاح تكاملهما سوف يشكلان رافداً اقتصادياً هاماً ومصدراً اقتصادياً آخر يدخل ضمن مشروع المملكة وتوجهها نحو تنويع القاعدة الاقتصادية وعدم الاعتماد على البترول كمصدر شبه وحيد للدخل القومي.







إن العمل على حماية المراعي وتنظيم استثمارها والاستفادة منها كان ومازال يتم العمل به انه يحتاج إلى مزيد من الدراسات الحديثة خصوصاً تلك التي تخص عمليات التصحر وايجاد الآليات التي تؤدي إلى عودة الغطاء النباتي المفقود ذلك أن المراعي لها أهمية كبيرة جداً خصوصاً في مجال الاستثمار الفردي وهو عامل يجب أن لا نغفله بالإضافة إلى زيادة عدد مصادر المياه في مناطق الرعي. ناهيك عن زيادة عدد العيادات البيطرية المجهزة في مناطق الكثافة الحيوانية. إن أهمية الإنتاج الحيواني لا ينحصر في لحومها فقط بل ان كلا من جلودها وصوفها وشعرها ووبرها يعتبر مصدراً لمواد خام تقوم عليها صناعات حديثة مهمة والتي لا يستفاد منها حالياً إلا بصورة طفيفة والباقي يعاد تصديره بأسعار بخسة.





وفي الختام فإنني أحب أن أشير إلى أن وضع خطة وطنية مدتها خمس أو عشر سنوات يتم بعدها الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في مجال الإنتاج الحيواني يلي ذلك تطوير تلك الخطة لتحويل المملكة إلى دولة مصدرة للأنواع المختلفة من الحيوانات. نعم إن التكلفة في البداية سوف تكون مرتفعة وهذا هو شأن جميع المشاريع الاستثمارية ولكن مع مرور الوقت وزيادة الإنتاج سوف تنخفض التكلفة وتزداد الأرباح خصوصاً إذا كانت مشاريع الاستثمار مشاريع متكاملة يتم فيها الاستفادة من جميع منتجات الحيوانات من ألبان وجلود وأصواف وغيرها بحيث تكون هناك صناعات متكاملة ومشاريع استثمارية متكاملة أيضاً في كل من المجال الزراعي والإنتاج الحيواني خصوصاً مع كبر مساحة المملكة وتنوع مناخها وطبغرافيتها التي تسمح لكل منطقة بالاستثمار في المجال الذي يناسبها ثم بعد ذلك تتكامل مناطق المملكة المختلفة مع بعضها البعض كلاً فيما ينتجه أو يحتاجه. ولا ننسى أن توطين صناعة الأعلاف وخفض تكلفتها سوف يكون الفيصل في نجاح المشروع الطموح المتمثل في الاكتفاء الذاتي في مجال الإنتاج الحيواني ليس هذا فحسب بل الوصول إلى مرحلة التصدير والله المستعان.
مغامرالاسهم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس