عرض مشاركة واحدة
قديم 28-09-2009, 04:38 AM   #11
سعد الجهلاني
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2003
المشاركات: 52,139

 
افتراضي

ثقافة العمل والإنتاج

عبد المحسن الحكير*

ترقى الأمم وتنهض الشعوب، إذا ما كانت راية ثقافة العمل تظلل أفراد هذه الأمم والشعوب، وتبسط مفاهيمها على نحو كبير، وفي المقابل تستطيع أن تعرف الأمم المتخلفة صناعيا وعلميا وأخلاقيا إذا ما غربت عنها شمس هذه الثقافة.

ولهذا نتفق كثيرا مع الآراء القائلة إن المنافسة العالمية والدخول في المجتمع المتحضر الراقي المنتج والبقاء ضمن الصفوة الدولية تتطلب عددا من التضحيات والمبادرات والالتزامات التي يمكن أن تحققها، وأولها ترسيخ مفهوم ثقافة العمل وممارسته ضمن حياتنا اليومية وفقا للضوابط التي تحقق النجاح والتفوق والاستمرار فيه.

وثقافة العمل منظومة متكاملة لا يمكن إلا أن تؤخذ كلها فهي مجموعة من القيم الأخلاقية والسلوكية والعادات والتقاليد والمبادئ الهدف منها الارتقاء بالسلوك الإداري والإنتاجي في المؤسسة أو المنشأة لرفع درجة جودة الأداء.

وهي تعني بداية حب العمل والرغبة فيه مهما كانت طبيعته أو متطلباته، كذلك الالتزام الكامل بساعات العمل والحرص على إنجاز الأعمال، وتنظيم الوقت، لأن الوقت والإنجاز معياران أساسيان في تقويم الأداء ورفع الإنتاج، ثم تأتي الأهمية الأخرى في مجال الرفع من مستوى الأداء بالاحتكاك والتدريب سواء على رأس العمل أو في مختلف بيوت الخبرة.

ومن ثم فهذه الثقافة تعني، بجانب الالتزام بالمواعيد والجودة في العمل، الصدق والأمانة وحسن التعامل، مما يسهم بقوة في زيادة الإنتاجية ورفع معدلات الأداء ومن ثم إيجاد غد أكثر إشراقا للأجيال المقبلة.

وللأسف الشديد نجد في بعض المجتمعات العربية انعداما شبه تام لهذه الثقافة، أو على الأقل عدم وجود المفهوم السليم لها والالتزام بمتطلباتها، وهذا ما يدعو إلى المطالبة بضرورة إعادة بناء هذه الثقافة, بل وزرعها لدى أبنائنا، خصوصا النشء، وأذكر مرة أنني كنت في ألمانيا في إحدى المدارس الابتدائية ورأيت كيف يعلمون الطلاب الصغار هذه الثقافة بطريقة عملية من خلال تكوين مجموعات مختلفة من الطلاب، واحدة لتنظيف الفصل، وثانية لدهان بعض الجدران، وثالثة لنظافة الفناء وهكذا، ولاحظت يومها أن مقررات الدراسة تركز بشكل رئيس على العمل المهني واليدوي، لإكساب الطلاب حرفا تكون سندا لهم ودعامة في قابل الأيام.

إن من متطلبات زرع ثقافة العمل لدى الشباب هو التأكيد على أن العمل مقدس وأن أية مهنة محترمة ومصانة ولصاحبها كل التوقير والإجلال مادامت تمنعه من الذلة والسؤال ومد اليد، وأن يكون رقما في سجل البطالة، أيضا بيان أن المهن الحرة قيمة مضافة وعنصرا مهما في حياة كل الأمم، إن في بلاد كثيرة يربح السباك أكثر من أستاذ الجامعة، كذلك الدهان والنجار.

إننا نطالب المؤسسات التربوية والدينية بأن تغرس في نفوس الناشئة حب العمل، وتعمق مفاهيم الإنتاج والجد والعرق، مع إعطاء القدوة والأسوة من الأنبياء عليهم السلام وغيرهم من الرموز المنيرة التي كانت تأكل من عمل يدها.

وإذا كنا نشاهد العشرات من القنوات الرياضية والدينية والثقافية والاقتصادية وغيرها، فلماذا لا تكون لدينا محطة فضائية تحمل اسم "ثقافة العمل" وتناط بها مهمة نشر هذه الثقافة وتعميقها والحث على فضيلة العمل البذل والكد والعرق.

نعم، وزارة العمل تبذل جهودا كبيرة في حث الشباب ودفعهم نحو العمل وإثبات جدارتهم واستعدادهم لشغل وظائف معينة (ومحددة) في سوق العمل العريض، كما تركز على الوظائف الفنية والمهنية، هذا عمل مشكور لكننا بحاجة إلى تضافر الجهود وتكاملها وتعاضدها بغية إدراك نتائج ملموسة.

علينا أن ندرك أن العمل مهما كان هو تاج يزين رأس القائم عليه، ولذا لا داعي من الخجل منه أو الاستحياء، فكل عمل شريف مصدر فخر لصاحبه ويعد ترسا في ماكينة الإنتاج الكبرى التي ترفد الاقتصاد القومي وتسهم في تحريك ماكينته بقوة.

ومن هنا، أطالب القطاع الخاص بأن يقوم بدوره المأمول في هذا الجانب، من خلال تدريب الشباب وتعليمهم وإكسابهم خبرات متعددة لكي يشغلوا الوظائف التي تناسب قدراتهم.

علينا أن نجعل الناس تحب العمل وتتناغم معه وتشعر بسعادة بالغة وهي تؤديه حتى تكتمل منظومة التنمية الشاملة في أرجاء مملكتنا الغالية.

إن التحدي الذي نواجهه اليوم يتطلب منا جميعاً تضافر الجهود والتركيز على بناء الإنسان البناء الصحيح، وجعل ثقافة العمل شعاره وغايته ووسيلته في آن واحد.
سعد الجهلاني غير متواجد حالياً