عرض مشاركة واحدة
قديم 29-09-2013, 08:15 AM   #2
شرواك
فريق المتابعة اليومية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2004
المشاركات: 20,000

 
افتراضي

الآثار الجانبية لزيادة الأجور والرواتب

سعود بن هاشم جليدان

شُنّت حملة قوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمطالبة برفع رواتب منسوبي الدولة، ولقيت الحملة بالطبع حماسا منقطع النظير من منسوبي الدولة، لأنها تصب في مصلحتهم، وسيساهم رفع رواتب منسوبي الدولة في زيادة دخولهم الحقيقية، ويرفع من رفاهية أسرهم ولو في الأمد القصير على الأقل، ولو شملت تلك الزيادة المتقاعدين ومستفيدي الضمان الاجتماعي إضافة إلى منسوبي الدولة؛ فإن نسبة كبيرة من الأسر السعودية سيتحسن دخلها وترتفع رفاهيتها.
وترفع زيادة الرواتب والأجور من شعبية متخذيها وترفع من أسهمهم السياسية بين المستفيدين، ولكن قد تخفضها بين الذين لا يستفيدون والمتضررين منها.
وزيادة الرواتب ليست أمرا سيئا أو مكروها لمتخذي القرار، بل يود الكثير منهم زيادة الرواتب، لأنها تحسن من شعبيتهم وترفع مستويات معيشة منسوبي الدولة، لكن آثار زيادة الرواتب لا تقتصر على تحسين رفاهية العاملين في الدولة، بل تشمل العديد من الآثار الجانبية على مالية الدولة، وتوزيع الدخل والاستقرار الاقتصادي.
وتعتبر معدلات التضخم المرتفعة من أهم المبررات، التي تقف خلف المطالبة برفع الرواتب، حيث تنخفض القيمة الحقيقية للدخول النقدية، وتؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية للعاملين وتراجع مستويات معيشتهم.
وتشير بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات إلى تراجع معدلات التضخم في المملكة منذ آخر زيادة رواتب خلال عام 2011م، حيث ارتفع الرقم القياسي لتكاليف المعيشة بنسبة 5 في المائة تقريبا في شهر تموز (يوليو) 2013م، مقارنة بشهر شباط (فبراير) من عام 2011م، الذي حدثت فيه آخر زيادة في الرواتب.
وتربط بعض الدول تعديلات الأجور بمستويات معينة من التضخم، لكن العديد من دول العالم لا تلزم نفسها بربط رواتب موظفيها بمعدلات التضخم، ويشير حجم الزيادة في الرواتب التي وردت في المطالبات إلى أنها تهدف لرفع الرواتب بنسب حقيقية أكبر بكثير من معدلات التضخم الرسمية.
ويأتي رفع الأجور أو الرواتب الحقيقية كاستحقاق للعامل أو الموظف أو كهبة من المُشغِّل، ويستحق الموظف أو العامل زيادة الأجر في حالة ارتفاع إنتاجيته، أما غير ذلك فهي هبة. وتحدث زيادة الأجر كاستحقاق في القطاعين الخاص والحكومي، ولا تحدث كهبة إلا في القطاع الحكومي.
وقد أدى وجود الثروة النفطية في منطقة الخليج إلى اعتقاد الكثير من الناس بأن زيادة الرواتب هو استحقاق في حالة زيادة إيرادات الدولة، حتى لو لم تتحسن إنتاجية الموظف. والمعروف في دول العالم بأن ملكية الثروات الطبيعية، التي منها الثروة النفطية، ليست محصورة بمنسوبي الدولة ولا مقصورة عليهم، ولكنها ملك للمجتمع ككل، كما أنها ليست حكرا لجيل واحد، وإنما تشارك في ملكيتها الأجيال القادمة.
لهذا لا بد من تعظيم عوائد الثروات الطبيعية عبر استثمارها للحصول على دخول دائمة للمجتمع، ويمكن أن يقرر المجتمع توزيع بعض عوائد الثروة الطبيعية في وقت معين، لكن لا ينبغي تركيزه على شكل زيادات في رواتب منسوبي الدولة أو أسعار طاقة مخفضة، وبدلا من ذلك يستطيع المجتمع بناء نظام تحويلات وطني عادل يشمل جميع فئات المجتمع من موظفين وغيرهم.
ولزيادة رواتب منسوبي الدولة طيف واسع من الآثار الاقتصادية المتباينة على الاقتصاد الكلي والمالية العامة، وتقود زيادة الرواتب إلى تحسين دخول المستفيدين منها، ورافعة للطلب الكلي على السلع والخدمات.
وزيادة الطلب تقود إلى رفع مستويات النشاط الاقتصادي في القطاعات، التي تعاني ارتفاع فوائض تشغيل، أما عندما يبلغ الاقتصاد مستويات التشغيل الكلي، فإن زيادة الدخول النقدية تقود إلى رفع الأسعار أو رفع معدلات التضخم.
ويكتسب توقيت زيادة الرواتب والأجور أهمية قصوى، لأن رفع الرواتب في أوقات الرواج الاقتصادي سيقود إلى رفع معدلات التضخم بدون رفع رفاهية الأسر المستهدفة، ولهذا تتجنب الدول تحفيز الاقتصاد (زيادة الأجور هي إحدى وسائل تحفيز الاقتصاد) في حالة التشغيل الكلي للاقتصاد، وتحاول زيادة الإنفاق في حالة الركود الاقتصادي.
ومن منطق الأمانة، ينطبق نفس التحليل على زيادة إنفاق المشاريع أو التعويضات أو مشتريات الدولة من السلع والخدمات، وسيقود زيادة الإنفاق الحكومي بأي صورة إلى رفع معدلات التضخم عند وجود تشغيل كلي في الاقتصاد.
فزيادة الإنفاق على المشاريع- مثلا- سيساهم في رفع أسعار السلع الرأسمالية مثل مواد البناء، كما سيزيد من أجور عمالتها، ما يرفع من تكاليف بناء المساكن والإيجارات، وسيزيد دفع تعويضات أراض وعقارات مرتفعة من أسعارهما.
وزيادة أجور منسوبي الدولة تؤثر على عدالة توزيع الدخل بين الشرائح السكانية، حيث إن زيادة الأجور لشريحة منسوبي الدولة تستفيد منه شرائح سكانية كبيرة (قد تصل إلى 50 في المائة من إجمالي السكان)، بينما لا يستفيد منه باقي السكان، الذين قد تكون دخول الكثير منهم منخفضة أو قد يكونون فقراء أو عاطلين عن العمل.
وفي حالة تسبب الزيادة في رفع معدلات التضخم، وهو ما يحدث في كثير من الأحيان، فإن الشرائح السكانية غير المستفيدة من الزيادة ستخسر نتيجة لزيادة الأجور، وهذا من الأمور الصعبة على متخذ القرار.
ومن الصعب أيضا تجاهل تأثير أسلوب وطريقة زيادة الأجور على عدالة توزيعها حتى بين المستفيدين منها، فزيادة الرواتب أو الأجور بنسب ثابتة لجميع شرائح العاملين يفيد أصحاب الرواتب المرتفعة أكثر من أصحاب الرواتب المنخفضة، فعند رفع الرواتب بنسبة 10 في المائة مثلا لجميع منسوبي الدولة، فإن هذا يعني زيادة دخول الفئات العليا من الموظفين بمستويات تصل إلى ثلاثة آلاف ريال، بينما تزيد دخول المستويات الدنيا من الموظفين، وهم الأشد حاجة لرفع رواتبهم، بمبالغ منخفضة قد لا تتعدى 300 ريال فقط.
ولن تساعد الزيادات المطلقة المنخفضة في تحسين أوضاع ذوي الدخول المحدودة، فالكثير من هؤلاء لا يملكون مساكنهم، وقد يضطرون لدفع تكاليف إضافية للإيجارات المرتفعة نتيجة لزيادة الرواتب.
وقد يترتب على بعض الزيادات في الأجور خسارة صافية لأصحاب الدخول المحدودة، ولهذا ينبغي أن تستغل أي زيادات مستقبلية في الأجور والرواتب والتحويلات لتحسين الظروف المعيشية لمحدودي الدخل والفقراء وتضييق فجوة الدخول بينهم وبين شرائح الدخل الأعلى، ويتم ذلك عبر رفع رواتبهم بمعدلات أعلى من مرتفعي الدخل.
وتؤثر زيادة الرواتب والأجور سلبا على مالية الدولة، فهي ترفع من التزامات الدولة المالية على الأمد الطويل، حيث يصعُب تخفيض الأجور عند تراجع الإيرادات، وقد تضطر الدولة إلى السحب من احتياطاتها المالية، حتى الاستدانة، لمواجهة الالتزامات المستقبلية.
وسيؤثر مثل هذا التصرف على عدالة توزيع الدخل بين الأجيال المتعاقبة، حيث من المعلوم أن زيادة الرواتب تأتي على حساب استغلال الموارد الطبيعية الناضبة، التي ينبغي استطالة الانتفاع بها لكي تعم الفائدة الأجيال الحالية والقادمة.
وتعتبر مخصصات الرواتب والأجور من المخصصات الإلزامية، التي لا يمكن للدولة تأخيرها في حالة وجود أي صعوبات مالية، وتؤثر زيادة الرواتب في قدرة الدولة على توفير مزيد من الخدمات، حيث ترفع زيادة الرواتب من تكاليف منسوبيها، ما قد يقود إلى خفض معدلات نمو التوظيف ويخفض من الاستثمارات في البنية الأساسية.
لهذا، فإن تراجع حجم الخدمات الحكومية عن المستويات المحتاجة قد يكون ناتجا ولو جزئيا عن ارتفاع الأجور والرواتب، أو زيادة المصروفات الجارية، أو ارتفاع تكاليف المشاريع.
وتملك الدولة خيارات أخرى لزيادة الرواتب والأجور، حيث يمكن استخدام مخصصاتها لخفض معدلات البطالة وفي تحسين أداء منسوبيها، وترتفع معدلات البطالة بين المواطنين، حيث تصل في الوقت الجاري إلى نحو 12 في المائة.
ويمكن مثلا زيادة عدد الموظفين بنسبة 10 في المائة بدلا من رفع الأجور بنسبة 10 في المائة، وهذا سيساهم في خفض معدلات البطالة، والتوسع في تقديم الخدمات الحكومية، وتوزيع الدخل بصورة أفضل.
ويمكن للدولة استغلال مخصصات الزيادة لرفع نوعية ومستوى الخدمات التي تقدمها، وذلك من خلال توظيف كفاءات أقدر وأفضل لأداء خدماتها، ورفع الارتباط بين الرواتب والأجور وأداء منسوبيها، أو زيادة أوقات العمل الرسمية.
إن هناك حاجة متزايدة لإصلاح أنظمة وممارسات العمل في الدولة، حيث تنخفض فعالية هذه الأنظمة والممارسات في رفع إنتاجية وانضباط منسوبي الكثير من المؤسسات الحكومية، ويمكن استخدام أي زيادات مستقبلية في الأجور لخفض الفروقات بين موظفي القطاع الخاص والقطاع الحكومي، خاصة في أوقات العمل والإجازات والمساءلة والإنتاجية.
وتقود زيادة الأجور عن مستوياتها في القطاع الخاص إلى زيادة تدفق العمالة من القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي، الذي يُولِّد مزيدا من الضغوط على الحكومة لتوظيف المزيد من العمالة وإلى تضخم القطاع الحكومي بالعمالة غير المنتجة، التي تخفض من قدرة البلاد على التنافس مع الدول الأخرى.
وتقود زيادة الرواتب والأجور (زيادة الإنفاق بشكل عام) إلى نمو واردات السلع والخدمات، ما يؤثر بشكل سلبي في ميزان المدفوعات الخارجية، ونظرا لوجود فوائض كبيرة في الوقت الحالي في ميزان المدفوعات الخارجية، فإننا لا نشعر بهذا التأثير، لكن هذا لا ينفي أن زيادة الأجور والرواتب (الإنفاق الحكومي) ترفع من معدل تسرب الموارد إلى خارج البلاد.
شرواك غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس