الهلع
عبدالله الجعيثن
شرُّ ما يصيب الاقتصاد ورجال الأعمال عموماً، وأسواق الأسهم خصوصاً، هو (الهلع) وهو الشعور العنيف بالذعر، وذلك ما حصل أول ما انفجرت الأزمة المالية في الولايات المتحدة وأعلنت بعض البنوك الكبرى إفلاسها، لقد عم الهلع العالم الاقتصادي كله وأسواق الأسهم خاصة كونها أكثر حساسية لأي متغيرات في الاقتصاد، ولكن مع أن انفجار الأزمة المالية حصل في الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن تصرف الكثيرين لدينا كان أشد هلعاً من تصرف الأمريكان أنفسهم والذين وقع انفجار الأزمة أمامهم وخلفهم وتحت أقدامهم، بينما كنا بعيدين عن مركز الانفجار، ولكن (الهلع) صنع الأعاجيب فباع كثيرون أسهمهم برخص التراب، وتزاحموا على البيع كما يحصل الزحام حين يسمع جمهور حاشد في ملعب كرة قدم بوقوع قنبلة، فهم يهلعون ويهربون إلى المخارج في زحام شديد فيقتل بعضهم بعضاً ويداس الكثيرون تحت الأقدام، أما القنبلة نفسها فلم تصب أحداً لأنها بعيدة جداً عن موقع الجمهور، ولكن ردة الفعل الأولية والمذهولة والمدفوعة بالهلع لا تدع مجالاً للتفكير وتحكيم العقل خاصة لدى قليلي التجربة والوعي..
ورغم أن الحكومة لدينا أعلنت أكبر ميزانية توسعية في تاريخ المملكة على الاطلاق، لعام ١٤٣٠ه وانفقت بقوة ودعمت المصارف بالودائع والتعهدات إلا أن قلة الوعي وسرعة الهلع وعدم التروي جعل سوقنا تتأخر كثيراً عن تقييم الموقف الاقتصادي الحقيقي والمشرف بالنسبة لنا، وجعلت سوق الأسهم لدينا تتأخر كثيراً في اللحاق بركب الأسواق المرتفعة رغم أن الأسواق المرتفعة تضررت اقتصادياتها بشكل أكبر، ويعود هذا لعدة عوامل أهمها أن معظم الاستثمار لدينا فردي (٩٠٪ من التداولات ينفذها الأفراد) وإلى أن البنوك لم تقم لا في الماضي ولا في الحاضر بتوعية المستثمرين والمتداولين وتقديم الأبحاث الموثقة المدعمة بالأرقام، وتقييم الوضع الاقتصادي بموضوعية، كما أنها - مصارفنا - لم تتسم بالشفافية الضرورية لطرد أشباح الخوف والهلع.
إن الرابحين أهم من فكروا بعقل وحيدوا الهلع..
* نقلا عن صحيفة "الرياض" السعودية.
|