وزيرُ التجارة الجديد أم الوزارة الجديدة؟
نجيب الزامل - 01/03/1429هـ
.. راح الوزيرُ، جاء الوزير.
راح الدكتور هاشم يماني، بعد أن أمضى مدة طويلة في الوزارة قدم فيها كل ما في وسعه أن يقدم، وكان "عهده" مليئا بالتحديات من اليوم الأول حتى اليوم الأخير، مرورا بعاصفة استمرت تملأ سماوات الزمان والمكان هي جولات النقاش العنيف الماراثوني للانضمام للمجمع التجاري الكوني.. على أن الدكتور خرج وهو يعلم أن كرسي أي منصب لا بد أن يدور. والدكتور يماني عالم من علمائنا، وسيعود نافعا ومنتجا في بيئته الأصلية وبين بحوثه.
وجاء الوزيرُ الجديد العتيد عبد الله زينل من تحت ذات السقف الحكومي، وهو ما نرى أنه أول تحدٍ له: التفوق في إقناع الرأي العام بأنه يحمل تصورا ديناميكيا وعصريا للتجارة والصناعة للأمة، وفي غسل الانطباع الذي في ذهن الناس عن الصورة النمطية للموظف الحكومي الكبير، التي تغلب عليها الاحتفائية فوق الأداء العملي. وهنا الخطوة الأولى (والاستراتيجية إن شئت) للدخول إلى الذهن العام، الذي ملّ من التغيير من أجل التغيير، فتتعاقب الوجوه ويبقى الأداءُ ثابتا متوقعا بلا نقلةٍ جدية مدروسة ضمن خطة فنية وعلمية موضوعة.. وكأننا نـُرَكـِّبُ رأساً جديدا كل مرة وباقي الجسد ثابت لا يتغير.
إن لم ينجح الوزير الجديد في بث الدماء في عروق الفهم في القطاع العام والخاص، فإنه من الصعب أن يقدم شيئا ينقذ من المأزق الذي به الوزارة حاليا، وهي في مأزق يجب أن نعترف به، ويبدو أحيانا أنها لا تعرف مخرجا يطلعها من المأزق الآسر، ولا طوف نجاة يأتي غير هذا التغيير الذي قد يكون طوفا.. أو مشروع غريق جديد في بحر مآزق الوزارة. التجارة والصناعة في العالم قد تغيّرا تغيراً نهائيا في كل شيء، وتقلبت أحوالٌ، وبزغت طرقٌ وأنماط وأنواع ٌإدارية جديدة، وبات نظامُنا التجاري الرسمي، والتعليمي متأخرا.. أو مثل جهاز قديم في عصر حديث، خارج خدمة العصر ونحن نصر عليه.. التجارة والصناعة صارتا تنقلان دولاً وتغيرانها في لمحة بصر زمانية (أي بعقود قليلة)، الصين التي لم تصحُ قبل عشر سنوات من دوخة القبضة الشيوعية الماوية صارت تنافس العالم الذي يسمي نفسه حُرّا في التجارة والصناعة وربما تهيمن بعد سنوات، وانكفأت دولٌ مثل سنغافورة وتايوان لتظهر الهند وماليزيا وتايلاند وكوريا، فتلاحقت سنغافورة نفسها، وغيّرت كل أسطواناتها الصلبة الإدارية والتنظيمية، وأدخلت في الإطار الرئيسي برامج جديدة لنظرة استقرائية لعصر تغيّر كليا وانفصم تماما عن واقع مضى.. وبقيت دولٌ تلعق فتاتَ الماضي الذي لم يعد صالحا للاستهلاك التطوري. إن "زينل" من بيت تجاري عريق أيضا، ويعرف التجارُ أنهم دائما تحت تهديد الظروف والأقدار لذا هم أكثر كائنات الكون قدرة على التكيف والتغير والمواكبة، وإلا ماتوا.. بغير هذه النظرة لن تتغير الوزارة بتغير وزير جديد.
أحسب أن الوزير سيعمد أولا إلى إنشاء وكالة أو هيئة مستقلة تحت عنوان المنظمة التجارية العالمية لتضخ المفهوم الجديد للعولمة قانونا وظرفا واستراتيجيا وتكتيكا في عقل الأمة، وبخاصة عند الصناعيين والتجار، وتشارك هذه الوكالة (الهيئة) في وضع خط عام رئيس يحدد نوعية الصناعات التي تفيد في المنافسة العالمية حتى لا تكون صناعة صغيرة محلية موءودة، ثم تـُعمم بالتعاون مع الغرف التجارية والهيئات العلمية ذات الاختصاص كي يستفيد منها الصناع القائمون، والصناع الجدد، والتجار وأصحاب المشاريع الخدمية. يجب أن تكون سياسة الوكالة توجيهية تعليمية خيارية وليست نظاما قسريا. أي أن الخيار الأخير يبقى لصاحب المشروع ويتحمل نتائجه. ومن حظ الوزارة أن الرجل المناسب تاريخيا وظرفيا وعلميا هو من ضمن موظفيها، فالدكتور فواز العلمي رجل عولمي كامل التأهيل، خاض نقاشاتٍ ضروسا خرج منها معتـّقا بنار التجربةِ ونور المعرفة، وكسب وهجاً إدارياً عصريا وضح في أسلوبه الشخصي في التعبير والسلوك والكتابة (انظر كتابه الممتاز حول دخولنا منظمة التجارة) تكون مهمة "العلمي" المحددة له كقائد إداري، هي خوض المعركة ألأكبر والأهم: "يا رجل بعد أن ضممتنا إلى التجارة العالمية، جاء الدورُ لتنقل عقل الأمة إلى هناك!" فقط لا غير!
ويبقى ما يهم الناس الآن وحالا، وهو الغلاءُ والغش والمكر التجاريَيْن، وهنا يجب أن نفرد مقالا آخر، فبصراحة لن تتغلب عليها الوزارة بجهازها وكامل أطقمها وإلا كانت محاربا دونكيشوتيا يبارز طواحين الهواء. يجب أن ينتقل التكليفُ الإداري إلى مؤسسات مدنية وأهلية تكفل المراقبة في الأسعار، ومسح السوق، واكتشاف الغش التجاري.. وتثقيف المستهلك، لتكون روافد دقيقة ومنظمة ومنتظمة تصب كلها في حوض الوزارة بلا شحومٍ جديدةٍ ولا مصروفات كبيرة، وبلياقةٍ أرشق، وأداءٍ أنجع..
.. والآن هل نهنئ الوزيرَ الجديد عبد الله زينل؟ الأفضل، أن ندعو له!
|