لماذا يجب استمرار انخفاض أسعار العقار؟
عبد الحميد العمري| الاربعاء 31 أكتوبر 2018
رغم ما أظهرته البيانات الرسمية، سواء الصادرة عن وزارة العدل أو الهيئة العامة للإحصاء، من انخفاض في المتوسط للأسعار المتضخمة لمختلف الأصول العقارية خلال الفترة 2014-2018 بنسب راوحت بين 20 في المائة و30 في المائة، وانخفاض تكلفة الإيجارات بنسب مقاربة لتلك النسب للفترة نفسها، إلا أنها لا تزال بما هي عليه من مستويات سعرية تعد مرتفعة ومكلفة جدا، وبعيدة جدا عن قدرة أغلب أفراد المجتمع بالنسبة للقطاع السكني، ومكلفة جدا على منشآت القطاع الخاص.
الحديث هنا لا ينحصر عند مجرد ارتفاع أو انخفاض سعر أرض أو منتج عقاري، كما قد يعتقد بعض تجار العقار والسماسرة، الذين لا تتجاوز نظرتهم إلى هذه القضية التنموية المهمة، مجرد عملية بيع للأرض أو العقار وقبض ثمنه، أو تحصيل إيجار فقط، وهو الأمر الذي لا يعني تكليفهم بما يفوق قدرة فهمهم المحدودة، التي لا تتجاوز حدود المتاجرة في سوق العقار بحثا عن تحقيق أرباح! وهو ما يؤكد أيضا أن الحل ليس في يد تلك الفئات المستفيدة أو المتضررة مما جرى ويجري الآن في سوق العقار المحلية، بل يتجاوزه بسقف عال جدا إلى الأجهزة الاقتصادية والمالية في الإدارة الحكومية، التي تقع عليها المسؤولية الأكبر في إعادة الانسجام والتناغم بين مختلف نشاطات الاقتصاد الوطني، والضرورة القصوى للمحافظة على توازن العلاقات فيما بين تلك النشاطات، وصولا إلى أهداف خدمة وتعزيز استقرار الاقتصاد الوطني بالدرجة الأولى، وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، والارتقاء بمقدرات وموارد البلاد والعباد بشكل متوازن، وعدم السماح بحدوث فجوات تنموية من أي شكل كان، قد ينتج عنها اختلال في الاقتصاد أو المجتمع على حد سواء.
تبرز الأهمية القصوى لتكثيف الجهود الحكومية في هذا الشأن، وتحديدا في مسار الضرورة التنموية والاقتصادية والاجتماعية للعمل بشكل أقوى وأكثر تكاملا نحو خفض الأسعار المتضخمة حتى تاريخه للأراضي والعقارات، وتكلفة إيجاراتها السكنية والتجارية على حد سواء، لأجل تحقيق كثير من الأهداف التنموية الكبرى، التي أدوّن هنا أهمها وأبرزها:
أولا: تواجه منشآت القطاع الخاص كثيرا من التحديات المرتبطة بالإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الوطني، التي تلتقي أغلبها عند ارتفاع كثير من بنود التشغيل والإنتاج "رسوم العمالة والبلدية وغيرها من الرسوم، أجور العمالة الوطنية، تكلفة استهلاك مصادر الطاقة، ضريبة القيمة المضافة، ضريبة الدخل على الطرف الأجنبي، إلخ"، وهي الإصلاحات الاقتصادية البالغة الأهمية لأجل الانتقال بالاقتصاد الوطني إلى الوضع المستهدف له وفقا لـ"رؤية المملكة 2030"، التي ستضعه على أرض أكثر صلابة وثباتا واستقرارا بعيدا عن الاعتماد المفرط الذي كان عليه طوال عقود طويلة مضت، وتؤهله فعلا لزيادة الإنتاج وتنويع قاعدته الإنتاجية. ويعد القطاع الخاص هنا العصب الأهم والأكبر لنجاح هذا الهدف الاستراتيجي، والمعول على اضطلاعه بتلك المهام والمسؤوليات التي لا يقبل النقاش حولها. لهذا سيكون من الأهمية القصوى أمام تلك التحديات الملقاة على عاتقه، أن يتم دعمه عبر وضع السياسات والبرامج الكافية وتنفيذها بالحزم اللازم، بما تشمله من برامج وموارد لدعم القطاع الخاص، ومن أهمها في هذه المرحلة المهمة العمل على خفض تكلفة تملكه للأراضي والعقارات وتكلفة الإيجارات، التي تستقطع في ظل الأوضاع الراهنة من تضخم الأسعار نسبا باهظة جدا من إيرادات منشآت القطاع الخاص، وهنا نحن أمام خيارين لا مجال للمقارنة بينهما؛ "1" إما التهاون أمام ارتفاع التكلفة العقارية "شراء، إيجار" على منشآت القطاع الخاص، والسماح من ثم بسقوط تلك المنشآت في هاوية الإفلاس وتوقف نشاطها، والاستعداد للآثار السلبية التي ستنتج عن ذلك السقوط من ارتفاع معدلات البطالة كأدنى خطر، وصولا إلى التنازل عن برامج الإصلاحات الاقتصادية، وهو الأمر الذي لا يمكن قبوله من أي طرف من الأطراف! أو "2" العمل بشكل أكثر جدية وحزما على عديد من السياسات والبرامج التي سيكون هدفها انخفاض التكلفة العقارية "شراء، إيجار" على منشآت القطاع الخاص، إلى الدرجة التي تكفل لها القدرة الكافية على الصمود أمام الإصلاحات الاقتصادية الراهنة ومستقبلا، والمحافظة عليها لأجل الأدوار والمسؤوليات المنتظر منها الوفاء بها تجاه الاقتصاد الوطني والمجتمع.
ثانيا: ينتظر من منشآت القطاع الخاص أن تتكامل جهودها مع الجهود الحكومية في مواجهة أحد أكبر التحديات التنموية، التي نواجهها اليوم ممثلا في تحدي البطالة بين المواطنين والمواطنات. وكما أظهرت البيانات الرسمية الأخيرة أن جهود تلك المنشآت جاءت أدنى من المأمول بدرجة كبيرة على مستوى خفض معدل البطالة. ولعل ما تقدم ذكره في الفقرة السابقة يوضح جزءا كبيرا من الأسباب التي حدّت من قدرة القطاع الخاص على هذا المسار، ويؤكد أيضا أن نجاحا وتقدما ملموسا في هذا الاتجاه من شأنه أن يحدث فوارق كبيرة جدا، تؤهل منشآت القطاع الخاص وتدعمها في اتجاه رفع قدرتها على التوطين بشكل أقوى وأكثر فاعلية، بمجرد انخفاض فاتورة التكلفة العقارية على كاهلها، وأيضا نحن هنا أمام خيارين لا مجال للمقارنة بينهما: "1" ما تم ذكره أعلاه في الفقرة السابقة، أو "2" العمل بصورة أكثر حزما على تنفيذ السياسات والبرامج اللازمة للحد من تفاقم البطالة بين المواطنين والمواطنات، ويأتي من أهمها هنا دعم منشآت القطاع الخاص، وزيادة قدرتها على التوطين والعمل المشترك على خفض معدلات البطالة بأسرع وقت ممكن.
ثالثا: سيسهم استمرار انخفاض التكلفة العقارية "شراء، إيجار" على المواطنين بدرجة كبيرة في تحسن مستوياتهم المعيشية، ويزيد من قدرتهم على الإنفاق المحلي، ويسهم بدوره في زيادة معدلات النمو الاقتصادي. وجدير بالقول هنا إن حدوث شيء كهذا بالنسبة لغالبية الأفراد أو كلهم، يفوق أثره ماليا واقتصاديا أثر زيادة أجورهم الشهرية، ودون أن تترتب عليه زيادة محتملة في معدل التضخم، الذي عادة ما يصاحب أي قرارات بزيادة الرواتب والأجور أو حتى إقرار بدلات للتضخم، وهو الحل الأفضل الذي لا يشكل حدوثه أي زيادة في التكاليف على الإدارة الحكومية أو حتى منشآت القطاع الخاص التي تقوم بتوظيف نحو 1.8 مليون مواطن ومواطنة.
رابعا: سيسهم استمرار انخفاض التكلفة العقارية "شراء، إيجار" على كاهل الحكومة، في جنيها لكثير من المكاسب، لعل من أبرزها انخفاض نفقاتها على دفع إيجارات مقارها المستأجرة، التي تفوق، وفقا لأحدث البيانات الصادرة، نسبة 65 في المائة من مبانيها، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من ترشيد الإنفاق الحكومي، الذي سيسهم بدوره في خفض العجز المالي الحكومي، ومن جانب آخر سيغنيها عن زيادة بنود الإعانات الحكومية المرتبطة بجانب السكن وخلافه. والله ولي التوفيق.
|