المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أين تذهب أموال المستثمرين في اكتتابات الأسهم؟


عبد الكريم عداس
22-12-2004, 02:58 PM
سؤال جدير بالتوقف عنده وقفة تأمل مع كل اكتتاب جديد يطرح في السوق. و قبل الخوض في حيثيات هذا السؤال نود تسليط الضوء على ماهية الشركات الاقتصادية.



كل شركة هي عبارة عن كيان اقتصادي تأسس على أيدي شخص أو عدة أشخاص من أجل القيام بنشاط معين أو عدة أنشطة ضمن خطة عمل واضحة المعالم للمؤسسين. النشاطات الاقتصادية مجالها لا حصر لها و تكون في أي قطاع يؤدي خدمة أو يقدم منتج يحتاجه الاقتصاد المحلي أو اقتصاديات أخرى بشكل أن تكلفة إنتاج الخدمة أو المنتج تقل عن تكلفة مردود بيعها للعملاء بفارق يغطي التكاليف الإدارية التي تحتاج المنشأة لدفعها حتى تستطيع الاستمرار في عملها في إنتاج الخدمة أو المنتج مع فائض مالي يضاف لرأسمال المنشأة و يكون مجزي بدرجة تجعل الاستمرار في عمل المنشأة مرغوب فيه.



تقوم المنشأة من خلال عملها بتملك أصول إنتاجية و إدارية مهمتها الأساسية دعم قدرة المنشأة على القيام بمهامها الاقتصادية التي أسست من أجلها. كما تقوم بتشغيل أيدي عاملة في جميع فروع المنشأة الإنتاجية و الإدارية و التسويقية لمتابعة سير العمل حسب الخطة الموضوعة لها. و لكون المنشأة التي تعمل في المجتمع جزء منه, فلابد لها أن تتفاعل مع المنشآت الاقتصادية الأخرى المحلية أو الخارجية من أجل تبادل الأصول و أدوات الإنتاج و الخدمات التي تحتاجها المنشأة الاقتصادية لتسيير عملها. هذا التبادل التفاعلي يولد أنشطة اقتصادية جديدة تساعد على تنمية أعمال المنشآت الاقتصادية الأخرى التي تتعامل معها تلك المنشأة لتكوين و تنمية مصالح مشتركة تنفع جميع الأطراف.



من أهم العوامل التي تؤثر في نجاح الأعمال الاقتصادية لأي شركة مهما كان نشاطها هي الإدارة المحترفة و الناجحة التي تتبع الأسلوب المهني في قيادة دفة الأعمال. أزد على ذلك مسؤولية التفاعل مع المستثمرين المالكين لأسهم الشركة بكل صدق و شفافية و أمانة.



لكل منشأة اقتصادية دورة حياتية منذ ولادتها و حتى نهايتها و خلال الدورة تمر المنشأة بمراحل اقتصادية مختلفة شبيهة إلى حد ما بمراحل حياة الإنسان.



من السنن الكونية التي وضعها الله سبحانه و تعالى هي أن كل ما فيه نفع للبشر مسخر له الاستمرار و ما فيه ضرر مآله الفناء مها طال زمنه الفاني.



المنشأة الاقتصادية (و دعونا من الآن نسميها الشركة) لها عمر افتراضي شبيهة إلى حد ما بالإنسان و كيف لا و الإنسان هو الذي فكر فيها و خطط لها و أسسها و يديرها.



دورة عمر الشركة تبدأ عند التخطيط لها و الترتيب لتأسيسها و ولادتها في المجتمع الاقتصادي



و تحمل السنوات الأولى لنشأة الشركة مخاطر عديدة منها تأسيسية و منها اقتصادية و أخرى تنافسية تتداخل تلك المخاطر مع بعضها البعض لينتج عنها احتمالات مرتفعة لفشل الشركة و عدم نجاحها إذا لم تستطيع التغلب على المخاطر الكبيرة التي تواجهها مما قد يؤدي لموتها. مثلها كالطفل بضعفه مما يعرضه إلى الأذى إذا لم تتداركه العناية الإلهية و تحميه من شر المهالك التي تحيط به من كل مكان. هنا يأتي أهم سؤال يصب في استمرارية الشركة قبل و أثناء نشأتها: وهو ما الفائدة منها؟ ما هي الفائدة التي ستقدمها هذه الشركة للمجتمع؟ هنا يأتي دور التخطيط السليم و الفكر الإبداعي الذي دفع بالمؤسسين لتكوين هذه الشركة؟



في كل مرحلة من مراحل الشركة الحياتية يجب وضع السؤال الأهم عن دور الشركة المنفعي في الاقتصاد.



إذا استطعنا أن نحدد فوائد الشركة في مرحلة التخطيط لها بكل وضوح و صدق عندها فقط نستطيع أن ننتقل للمرحلة التالية من عمر الشركة. و الفوائد التي تقدمها الشركات عديدة و يصعب حصرها فمنها من ينتج سلعة أو يقدم خدمة يحتاجها مجتمعنا أو مجتمعات أخرى نقوم بتبادل المنافع معهم. و الإنسان الذي أعطاه الله العقل المبدع و الفكر الحر هو الذي يستطيع التوصل للمنافع التي يرى فيها خدمة للمجتمع , لقد أمرنا الله سبحانه و تعالى بإعمال العقل و الفكر لنتوصل إلى ما ينفعنا لنقدمه لمجتمعنا.



هذا النوع من الفكر يأتي من أي إنسان و بغض النظر عن مكانته في المجتمع. فلا يشترط أن يكون صاحب جاه أو مال أو مكانة حتى يأتينا بما ينفعنا, كما لا يشترط أن يكون مسئول في منصب حكومي معين لننتظر منه أن يأتينا بما ينفعنا, لذلك فالمجتمع ليس بحاجة لأن يكون مجتمع "مركزي" لتصدر من أصحاب المسؤولية الحكومية فقط قرارات تأتي بالنفع للمجتمع مع عدم نكران الحالات النادرة التي ينتجها بعض "أصحاب القرار" في الجهات الحكومية. كل ما نراه هو أن تكون المساحة حرة و واسعة لكل فكر خلاق مبدع من أبناء المجتمع أن يقدم ما لديه في خدمة المجتمع بدون قيد أو شرط



الدورة الحياتية للشركة بعد أن تتكون هي مرحلة النمو بعد الـتأسيس التي عادة تختلف من شركة لأخرى بعد ولادة أي شركة. مرحلة النمو تستهلك الكثير من الجهد و الاستثمار المادي و المعنوي للوصول بالشركة لمرحلة النضج والتي تمثل مرحلة الإنتاج الحقيقي للشركة حيث تزدهر أعمالها و تنمو عوائدها و تدر على ملاكها الدخل الذي أسست من أجله. و بعدها تبدأ الشركة بالهرم حيث تشيخ قدراتها الإنتاجية و تصبح أهدافها التأسيسية مستهلكة و قد تتوقف منفعتها الاقتصادية كليا أو تدريجيا حتى تموت. و موت الشركة يكون إما بالإفلاس أو التصفية أو بيعها لشركة أخرى تقوم بإعادة هيكلة خطط منافعها بما يتماشى مع مستجدات الأسواق الحديثة.



هذه الدورة الحياتية هي سنة كونية وضعها الله في عالمنا و علينا أن نكون دائما على وعي تام بمراحل الدورة لكل شركة حتى نستخلص منها ما يفيد و نمنع الضرر عن أفراد مجتمعنا الاقتصادي.



من زاوية أخرى, عندما نفكر في الجهات التي لها علاقة منفعية مع الشركة تتضح لنا وقتها تعدد فئات المجتمع الاقتصادي الذين يستفيدون من وجود الشركة و هم ليسوا فقط ملاكها بل جهات أخرى عديدة أيضا. على سبيل المثال لا الحصر:



العاملين في الشركة هم من أهم الجهات التي تحصل على منفعة من وجود الشركة حيث أنهم يقوموا بتنفيذ خطط الشركة على أرض الواقع لتحقيق أهدافها.

العملاء المستهلكين لمنتجات الشركة الخدمية أو السلعية و هم الذين أسست الشركة من أجل توصيل المنتجات لهم.

الموردين من شركات و أفراد والذين تحتاجهم الشركة عبر تبادل المنتجات السلعية أو الخدمية معهم للقيام بأعمالها.

الجهات الحكومية التي تخضع الشركة تحت إشرافها و تقوم بدفع الرسوم لها من ضرائب و تراخيص و رسوم أعمال مقابل الدعم الحكومي للشركة.

المحتاجين و أصحاب العوز و الفاقة في المجتمع و الذين تصلهم زكاة أموال الشركة لكي تعينهم على حاجياتهم التي لا يستطيعوا سدها لظروفهم الخاصة.

الممولين من شتى أنواع الجهات التمويلية التي تحتاجها الشركة لسد حاجاتها التمويلية المختلفة.

الملاك من أصحاب الأسهم و حصص الملكية الذين استثمروا أموالهم في بناء الشركة أو من استبدل مكانه بمالك آخر قايض حصة ملكيته معه.



من هنا نجد أن المنفعة الاقتصادية من وجود شركة ناجحة هي منفعة متعددة الأطراف و تمس فئات مختلفة من المجتمع الاقتصادي. و هذه المنفعة الناتجة عن الشركة هي التي سيكتب لها الديمومة إلى أجل مسمى من الله حسب سنة الله في الكون"وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ". و لن تجد لسنة الله تبديلا.



و يجدر الإشارة بنا هنا إلى سنة إلهية أخرى و هو أن نجاح أي شركة اقتصادية ممكن أن يتحقق في أي مكان في العالم. فجميع بني الإنس في كل بقعة من بقاع الأرض هم خلق الله سبحانه و تعالى و هم عبيده و بغض النظر عن دياناتهم أو معتقداتهم الدنيوية هم جميع خلق الله و خاضعين لسنن كونه سبحانه و تعالى.



اقرأ معي هذه الآيات البينات:



بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

"مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15 (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا (17( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19 (كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا (20(انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (سورة الإسراء آية 21(".



سبحن الله " كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا". من يعمل و يجتهد و ينتج و ينفع يوفقه الله سبحانه و تعالى في الدنيا بالنجاح حتى لو لم يؤمن بالله فهذا موضوع آخر يحاسب عليه في الآخرة, أما في الدنيا فربك الغني يعطي من يشاء بغير حساب.



لاحظ هنا كلمة "من يشاء" و هذه المشيئة الإلهية مطلقة و لم يختص بها قوم عن قوم حيث لم يقل يعطي المؤمنين أو الكافرين أو اليهود أو المشركين أو الملحدين. قال "يعطي من يشاء" في الدنيا. و في سياق الآية عن الكفار و المؤمنين قال تعالى " كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا".



لنتطرق الآن لنوعية الشركات التي تطرح أسهمها للمساهمة العامة.



إذا أردنا أن نكون اقتصاد حر واسع عميق و خصب ينتج منافع عديدة على كافة المستويات الاجتماعية فيجب إتاحة الفرص لجميع فئات المجتمع الاقتصادي القادر على إنتاج ما ينفع الناس وفق آليات و ضوابط و تشريعات عادلة تطبق على جميع فئات المجتمع بدون استثناء. و تكون الشركات المطروحة للمساهمة كالتالي:



شركات تحت التأسيس ناتجة عن أفكار و بحوث و خطط أفراد المجتمع المبدعين

شركات أسست بشكل خاص و هي في مرحلة النمو

شركات ناضجة ملاكها محدودين و هي تدر المال والأرباح الوفيرة من نجاحاتها السابقة

شركات هرمت و دخلت مرحلة الشيخوخة و هي في طريقها إلى المقبرة الاقتصادية



هذه الأنواع الأربعة من الشركات بدون تخصيص تعد الأكثر شيوعا في كل اقتصاد. و السؤال هنا من أي الأنواع من الشركات نفضل؟ ليكون الجواب أن ما ينفع الناس من جميع أنواع الشركات هو المرغوب. و من أجل معرفة ما ينفع الناس لا يستطيع شخص واحد أو جهة واحدة أن تقرر ذلك فلكل إنسان حدوده و قدراته و مهما كان مركزه في المجتمع فلن يستطيع أن يعرف كل شيء, لذلك الحرية في الاختيار و البحث و التدقيق و التوجيه يجب أن تكون مضمونة للجميع بأمر النظام و كل ما على المشرعين من أصحاب القرار الحكومي عمله هو وضع النظم و التشريعات العامة التي تمكن الجميع من العمل من خلالها و يتركوا حرية الاختيار للمجتمع الاقتصادي لتحديد الأصلح و الأنفع.



يكفي هنا الآن توضيح حركة الأموال المستثمرة في كل نوع من أنواع الشركات المذكورة.



فيما يخص الشركات الجديدة تحت التأسيس ستكون جميع الأموال التي تستثمر في أسهمها من قبل المساهمين الجدد موجهة لبناء الكيانات الاقتصادية الجديدة الخاصة بالشركة. و لذلك تعتبر تأسيس الشركات الجديدة من أهم عوامل التنمية الاقتصادية حيث توجه الأموال في شراء و دفع الأموال للحصول على جميع احتياجات الشركة مما ينتج عنه ضخ أموال جديدة في شرايين الاقتصاد. و عندما يتمتع المجتمع الاقتصادي بغزارة كثيفة في تأسيس الشركات الجديدة التي تنتج ما ينفع الناس من سلع و خدمات عندها يصبح اقتصاد حيوي و منتج و يتمتع بقوة الشباب. و العكس صحيح و ينطبق على المجتمعات التي لا ترى فيها إلا شركات أهرمت و في طريقها البطيء إلى المقبرة الاقتصادية.



هذا يشبه إلى حد كبير حال المجتمعات التي يولد فيها أطفال بأعداد هائلة عن عكسها من المجتمعات التي يقل فيها أو يندر أنجاب الأطفال الجدد. طبعا و لله الحمد المجتمعات الإسلامية حول العالم يولد فيها أطفال بغزارة تساوي أو تزيد سرعة من تفريخ الدجاج للبيض و هذا شيء رائع و يدعوا إلى السرور. و نجد في المجتمعات "الغير إسلامية" و التي تتفاخر بامتداد أعمار المعمرين فيها و قلة إنجابهم للأطفال العكس تماما.



السنة الكونية تقول أن المجتمعات الإسلامية ستكون دائما شابة و حيوية و المجتمعات الغير إسلامية ستهرم و تسير بسرعات مختلفة إلى قبورها نظرا للتباين في معدلات الإنجاب فقط. إن هذه السنة الكونية هي التي تدفعنا باستمرار للدعوة لفتح مجتمعنا الاقتصادي و إتاحة إمكانياته للجميع لتأسيس الشركات الجديدة التي تنفع الناس و عدم احتكار ثرواتنا في يد قلة من فئات المجتمع التي تهرم و هي في طريقها إلى قبورها. سنة الله و لن تجد لسنة الله تبديلا.



و بعدها نأتي للشركات التي تأسست بشكل خاص و هي في طور النمو و من ثم تطرح أسهمها للمساهمة العامة. هذا النوع من الاستثمار محبوب أيضا لأنه يفتح المجال للشركات حديثة التأسيس و التي أثبتت بنجاحها قدرتها على تحقيق المنفعة للناس و أنها بحاجة لمزيد من الأموال و الاستثمارات لتكملة نموها حتى تنضج و تعطي ثمارها الاقتصادية بشكل واسع. و هنا عندما تطرح أسهمها للمستثمرين يراعى في ذلك توجيه الغالبية العظمى من الأموال المستثمرة لإنفاقها في الاقتصاد العام من أجل تنمية الشركة و كذلك إعطاء نسبة كبيرة من حصص الملكية للمساهمين الجدد. و مع أن المؤسسين ستنخفض حصتهم في شركتهم إلا أن الحصة الصغيرة في الشركة الكبيرة تساوي ماديا أكبر من الحصة الكبيرة في شركة صغيرة.



الحالة التالية هي الشركات الناضجة, أو ما يسمى في اقتصادنا بالشركات العائلية قديمة التأسيس (الشركات العريقة أي التي بذل أصحابها كل ما لديهم من عرق في تأسيسها و هم الآن يجنون ثمار أرباحها) أو حتى بعض المرافق الحكومية التي يكثر الحديث عن "تخصيصها" كموضة عالمية.



هنا نحتاج لوقفة لتوضيح نقاط حساسة. و الموضوع هنا فيه "قولان".



الشركة الناضجة لا شك شركة ناجحة و تدر أرباحا كبيرة و تسمى بالعامية الاقتصادية في سوق المال "بالبقرة الحلوب". إن طرح أسهمها للمساهمة العامة أمر ايجابي إلى حد ما و لكن بشروط كثيرة نذكر منها البعض هنا:



تسمى أسهم الشركة الناضجة في سوق الأسهم عادة بأنها أسهم ذات قيمة "استثمارية" و لكن في الواقع هذه مسميات تسويقية دعائية أكثر منها حقيقية حيث يدعي مسوقين أسهمها تدنى مخاطر الاستثمار فيها نظرا للأرباح التي "حققتها" الشركة الناضجة في السابق حسب بياناتها المالية المدققة و المنشورة و حسب الظهور للعيان مدى نجاح الأهداف التي بنيت عليها الشركة في الماضي في تحقيق المنافع للناس في الوقت الحاضر. هذا النوع من النجاح هو الذي يزيد من إقبال العامية من المجتمع على أسهمها و هنا تأتي آلية سوق المال في وضع قيمة لأسهم الشركة الناضجة تزيد أضعاف مضاعفة عن قيمتها "الدفترية" أي ما يحسبه المحاسبون من أصول و التزامات الشركة في دفاترها الحسابية الواقعية.



مثلا إذا كانت الشركة لديها أصول دفترية صافية تبلغ المليون ريال فان آلية طرح أسهمها في السوق ستجعل قيمة أصولها مثلا 5 ملايين ريال استنادا لمعادلات معقدة يحسبها أهل المال. عند طرح جزء من حصة مالكين الشركة الناضجة في السوق لنقل 50% للمساهمين و 50% تبقى في أيدي المؤسسين فسوف يحدث التالي: المالكين للشركة عندما كانوا يملكون 100% منها كانت قيمة ثروتهم "الدفترية" 1 مليون ريال. و بعد طرح 50% من أسهمهم في الشركة للمساهم ستصبح لهم حصة أصغر في شركتهم (50%) و لكن ستصبح قيمتها 2.5 مليون ريال, أي أن ثروتهم الدفترية في الشركة زادت ضعفين و نصف بالرغم من تخليهم عن نصف ملكية شركتهم. و لكن زيادة على ذلك يكونون أيضا استلموا من المساهمين الجدد الذين اشتروا نصف حصتهم في ملك الشركة مبالغ نقدية تساوي 2.5 مليون ريال نقدا و عدا يفعلون به ما يشاءون. أي أنهم أيضا حصلوا على كامل قيمة ثروتهم القديمة "الدفترية" نقدا و فوقها حبة بركة و نصف مع احتفاظهم بمثلها ثروة دفترية في الشركة "المساهمة". أي خمسة أضعاف ثروتهم.



هذه هي آلية سوق المال في ما تعمله من عجائب في أسهم شركات الأعمال. و لكن نؤكد هنا و بإصرار أن شراء المستثمرين لأسهم الشركات الناضجة عبر ما يسمى اكتتابات أسهم جديدة لا ينتج عنه أي إضافة أموال جديدة لأعمال الشركة بل تذهب هذه الأموال إلى جيوب الملاك السابقين للأسهم مما لا يأتي بأي نفع مباشر لأعمال الشركة من دخول المستثمرين الجدد بأموالهم فيها.



هل هذا الشيء سلبي أم ايجابي؟ سؤال يصعب الجواب عليه بطريقة التعميم و لا بد من تفصيل.



الأصل فيما نراه يفيد المجتمع و نتمناه للجميع هو أن نرى الثروات تزداد و تنمو في بلدنا و نرجو أن تكون هذه الثروات في أيدي أهل الخير و الصلاح. و لكن من نحن حتى نحدد ذلك فهذا شيء أمره بيد الله عز و جل. فلقد ذكر سابقا أنه "يرزق من يشاء بغير حساب" و أنه قال " كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا". إذا نكتفي هنا بالذكر بأن هذه السوق تولد بآلياتها ثروات بطرق لم نألفها في مجتمعاتنا الاقتصادية و لكنها ستصبح في أيدي الجميع عندما نتيح الفرصة العادلة لكل ذي همم عالية و طموحات ايجابية لتقديم كل ما ينفع الناس.



إن استعمال الثروة في الخير و فيما يرضي الله و ينفع الناس هو الطريق الصحيح لمن أعطي هذه الثروة.



إذا عملية طرح أسهم شركات ناضجة تحقق ثروة حقيقية لأصحابها و هذا مستحب بشروط كما أسلفنا.



ما يجب توضيحه و البحث فيه بدقة و عرضه بكل أمانة على المساهمين الجدد قبل طرح الأسهم عليهم هو إلى أي مدى وصلت الشركة الناضجة من عمرها الافتراضي؟ و كم بقي لها من سنين إنتاجها المثمر؟ و ما هي عوامل الخطورة على مستقبل أعمال الشركة من منافسة جديدة تأتيها من قبل شركات قد تدخل السوق بآليات عمل جديدة و أفكار و خطط طموحة قد تغير من فكرة المنافع التي كانت تنتجها الشركة الناضجة في السوق مما قد يجعل عمل الشركة الناضجة محل البحث يدخل إلى مرحلة الشيخوخة و من ثم تدريجيا و بسرعات متفاوتة تتجه إلى قبرها الاقتصادي حاملة معها الخسارة الحقيقية لحملة أسهمها من المستثمرين الجدد. هذه أسئلة صعبة جدا و الإجابة عليها عادة ما تأتي بعد موت الشركة و قليل من "الخبراء" أو المساهمين الذين يستطيعون التنبؤ بذلك أو حتى إذا استطاعوا معرفة ذلك أقل منهم هم الذين سوف يصدقونهم من المستثمرين في السوق و هذا يعود إلى عامل آخر و هو عامل قصر النظر.



هذا لا يعني أبدا أننا نحارب طرح أسهم كهذه إنما نحن نسلط الضوء على ركن أساسي من أركان التعامل في سوق المال و نقول أن هذه المخاطر موجودة في السوق و ستستمر في ظهورها بين الحين و الآخر لتموت بها الشركات المساهمة و تأخذ معها أموال المساهمين إلى المقبرة الاقتصادية. فمسألة أموال المساهمين ليست بالمسألة السهلة و التي يمكن حمايتها بجرة قلم أو تشريعات لا تنفذ أو حتى أعقد النظم تطورا. كل ما هنالك أن هذه الأمور الحساسة ليست بالسهلة بمكان حتى تهملها الجهات التنظيمية أو تدع مراقبتها في أيدي جهات قليلة غير مؤهلة لذلك أو تكون لها أجندات عمل خاصة لا تعير حقوق المستثمرين أدنى اهتمام (أعنى جهات المراقبة من مؤسسات المال في السوق).



و آخر أنواع الشركات هي تلك التي وصلت إلى مرحلة الشيخوخة عندما تنتهي صلاحيات منافعها و تبدأ في الانحدار نحو المقبرة الاقتصادية. و يبقى الجواب على ما الذي يمكن عمله تجاه هذا النوع من الشركات بيد السوق و منظميه. ففي حال أن الشركة محل البحث لا يوجد فيها إمكانيات التغيير و التحديث الداخلي عبر رسم خطط عمل جديدة تقوم بتحويل موارد الشركة القديمة إلى منتجات جديدة ذات منفعة اقتصادية حسب متطلبات و مرئيات السوق أو عبر تغيير كامل إدارتها فيصبح الحل إما في تصفيتها و إعادة ما بقي منها لأصحابها أو بيعها بالدمج مع شركات لديها القدرة على استيعاب موارد الشركة البالية و تحويلها لإنتاج ما ينفع الناس.



المهم هنا الآن أن ندرك تماما وجود الدورة الاقتصادية الحياتية لكل شركة و أنه لا توجد شركة تستطيع أن تستمر في إنتاج المنافع للناس بنفس النمط إلى ما لا نهاية فالتغيير سمة من سمات سنة الله في الوجود و كذلك الموت و الحياة الاقتصادية كما سنرى لاحقا. و إذا أردنا الاستمرار في التطور و التقدم فيجب علينا أن نعي أسباب النجاح و الفشل و نراقبه و نقيس مدى تأثير العوامل باستمرار على جميع الشركات التي تطرح أسهمها للمساهمة العامة. و هذه الأمور لا تتم مرة واحدة بل يجب أن تكون جزء من عمل آلية السوق. مسئول واحد لا يكفي. جهات قليلة لا تكفي. السوق يحتاج إلى الكثير من الخبراء و المتابعين و المختصين في جميع أموره مع آليات رقابية و تنفيذية محايدة و متشعبة و متطورة و من جهات منظمة و مؤسسات خاصة و كثيرة تتجدد باستمرار مع تطور الأسواق.



في الختام يبقى أهم سؤال يجب أن يكون على قائمة الأوليات للمستثمرين الجدد في الاكتتابات:



هل الأموال التي يرغب المستثمر دفعها مقابل أسهم الشركة التي ينوي شراءها هل هذه الأموال ستتجه إلى خزينة الشركة مصدرة الأسهم أم إلى جيوب الملاك السابقين لتلك الأسهم؟



إذا كان الجواب إلى جيوب الملاك السابقين فنحن في غنى عن دفع أموالنا (التي يحتاج إليها اقتصادنا) لقلة من الأشخاص حتى يتمتعوا بها و لا يعطونا إلا الفتات من أسهم شركات قد تكون نضجت و شاخت و في طريقها إلى المقبرة الاقتصادية.



و إذا كان الجواب إلى خزينة الشركة فنحن نطالب بمعرفة الآثار المالية و الاقتصادية التي ستترتب على حصول الشركة لهذه الأموال من تنمية في أعمالها و أرباحها المستقبلية و نتائجها المتوقعة للمستثمرين الجدد.



أما أن تكون الاكتتابات مجرد شراء أوراق "يانصيب" لا يعلم المستثمر ما فائدتها من عدمه فهذا لن ينفعنا في أي شيء سوى ضياع أموالنا التي يكون اقتصادنا في أشد الحاجة إليها للتطوير و الإنتاج الحقيقي.



و السؤال الحاضر الآن في اكتتاب الشركة التعاونية أن الملاك الثلاثة للشركة قبل الاكتتاب يملكون 500 مليون ريال بالكامل و يرغبوا في بيع 70% من أسهمهم (الناضجة) مقابل أكثر من 1.4 مليار ريال (أي 3 أضعاف ثروتهم في الشركة) و سوف تذهب هذه الأموال إلى "جيوبهم" و ليست إلى خزينة الشركة.



إذا ما الفائدة من دفع هذه الأموال للملاك السابقين؟ أليس اقتصادنا بحاجة ماسة لهذه الأموال لتأسيس شركات جديدة تضخ عبرها الأموال إلى الاقتصاد مباشرة؟



للمعلومية المسمى الحقيقي لهذا النوع من الاكتتابات هو "خروج استثماري" Exit Strategy حيث يتبادل الملاك القدامى حصصهم في شركات قائمة مع ملاك جدد بمبالغ باهظة يدفعها لهم المستثمرين الجدد مما يساعد الملاك القدامى على "الخروج" من ملكية الشركة تدريجيا بربح عالي. و هذا النوع من الاكتتابات مرفوض نسبيا لعدم تحقق المنفعة العظمى للاقتصاد.



ما نراه أفضل من هذا النوع من الاكتتابات أن تتوجه أموال المستثمرين لبناء شركات و مشاريع جديدة تفيد المجتمع.



و بحساب بسيط فان مبلغ يفوق 1.4 مليار ريال كافي لبناء مساكن و بيوت تكفي لسكن أكثر من 50,000 مواطن (10,000 عائلة) و تقسط عليهم لمدة 30 سنة. أيهما أفضل أن يعيش 50,000 مواطن تحت سقف منزل يملكه بالتقسيط المريح أم تدفع لبعض المؤسسات الحكومية التي لا تسمن و لا تغني من جوع؟

آسف طولت عليكم

foo$$oog
22-12-2004, 03:43 PM
شكرا معلومات قيمة

قريتها على السريع ونقلتها على الجهاز للمراجعة بتركيز


جزاك الله خيراً

مربي اسهم
22-12-2004, 04:23 PM
" للمعلومية المسمى الحقيقي لهذا النوع من الاكتتابات هو "خروج استثماري" Exit Strategy حيث يتبادل الملاك القدامى حصصهم في شركات قائمة مع ملاك جدد بمبالغ باهظة يدفعها لهم المستثمرين الجدد مما يساعد الملاك القدامى على "الخروج" من ملكية الشركة تدريجيا بربح عالي. و هذا النوع من الاكتتابات مرفوض نسبيا لعدم تحقق المنفعة العظمى للاقتصاد. "

بإختصار ( لو فيه خير ما تركه الطير )

حلوة الشمس البنفسجية والنظارة الشيك
I'm kidddddin

الفايدي
22-12-2004, 04:36 PM
ماشاء الله على هذا الفكر
موضوع ممتع
يعطك العافية

دهام السرايا
22-12-2004, 05:12 PM
مشكور عزيزي بس ياليت تكبر الخط عيوني راحت فيها

فارس بورصة
22-12-2004, 05:40 PM
حلوة الشمس البنفسجية والنظارة الشيك
I'm kidddddin


يعطيك العافية ...

عبد الكريم عداس
23-12-2004, 12:54 AM
أحاول انشاء الله تكبير الخط و لكن الموضوع طويل و الادارة نبهت في السابق لتقصير المواضيع و لكن بعض الأمور تحتاج شرح مفصل للوصول للهدف و شكرا للجميع