" لمسات تداول "
17-12-2003, 01:57 PM
اهانة جديدة للعرب
عبد الباري عطوان
15/12/2003
اخيرا، وبعد ثمانية اشهر، نجحت القوات الامريكية، بمساعدة عملائها ومخبريها في اعتقال الرئيس العراقي صدام حسين، في قبو احد منازل مدينة تكريت، مسقط رأسه.
الرئيس الامريكي جورج بوش ظهر مثل الطاووس على شاشات التلفزة محتفلا بهذا الانتصار الكبير، وكذلك فعل حليفه توني بلير رئيس وزراء بريطانيا واعداء الرئيس العراقي الكثر داخل العراق وفي الكويت.
نعم انه انتصار امريكي كبير، ودفعة معنوية مهمة للرئيس بوش وحلفائه، ولكنه قد يكون انتصارا مؤقتا، لان الاحتفالات بسقوط بغداد تبخرت آثارها بسرعة قياسية، بفعل عمليات المقاومة الشرسة التي عمت معظم انحاء العراق.
نعترف ان ظهور الرئيس العراقي بالطريقة التي ظهر عليها، اشعث الشعر، رث الملابس، كانت مهينة للغاية، لانه لم يتوقع احد ان يتم القبض عليه حيّاً، ودون مقاومة، ومختبئاً في حفرة صغيرة قذرة. الارجح ان هناك مسرحية، وعملية تضليل محبوكة بعناية فائقة. فنحن لم نسمع الا الرواية الامريكية، او بالاحرى ما أرادت القيادة العسكرية الامريكية اسماعنا اياه، وعلينا ان ننتظر مزيداً من الوقت حتى يهدأ الغبار وتظهر بعض ملامح الصورة الحقيقية.
كانت صدمة بالنسبة الينا، واهانة لملايين العرب الآخرين، وهم يتابعون اللقطات التلفزيونية للرئيس العراقي وهو يخضع للفحص الطبي الامريكي المهين، فقد كنا نتمنى لو انه قاتل حتى اللحظة الاخيرة، وسقط شهيداً مثل ولديه وحفيده، او اختار نهاية هتلر، باطلاق الرصاص على رأسه، او ابتلاع جرعة سم. فهذا اكرم له، بدلاً من مهانة الاستسلام للقوات الامريكية، ولكننا نكرر، باننا لا نعرف التفاصيل الكاملة، ولم نطلع الا على الرواية الامريكية. ولكن هذا لا يجعلنا نستبعد ان تكون القوات الامريكية استخدمت الغازات او القنابل التي تشل الحركة، وتخدر الاعصـاب اثناء اقتحامها للمكان. مثلما لا نستغرب ان يكون احد الوشاة من المقربين اليه قد خان ضميره واغواه الطمع والجشع ووشى برئيسه السابق، لانه تبين لنا، ان بعض المحيطين بالرئيس العراقي كانوا من الفاسدين، ضعاف النفوس، يعبدون المال والنفوذ ولا يؤمنون بأي قضية غير مصالحهم الشخصية البحتة.
فلو كان صدام حسين يريد الاستسلام بهذه الطريقة لاعترف باسرائيل ولقبل العروض الكثيرة بمغادرة السلطة والعيش كريماً مرفهاً في المنافي، ولكنه اختار ان يقاتل حتى اللحظة الأخيرة، ويقف في وجه الغطرسة الامريكية.
الآن تحرر المقاومون العراقيون من هذه الفزاعة التي اسمها صدام حسين، وتخلصوا من تاريخه الديكتاتوري، وبدأوا يقاومون من أجل العراق، العراق العربي الاسلامي الاصيل، صاحب الرصيد الاكبر من الحضارات والابداع والدفاع عن قضايا الحق والعدالة.
اعتقال الرئيس صدام حسين قد يكون نعمة بالنسبة الى الكثير من العراقيين، خاصة اولئك الذين عانوا من ظلمه وقمعه، ولكنه قد يكون نقمة بالنسبة الى الامريكيين الغزاة حتماً، لان العراقيين، وخاصة اولئك المتواطئين مع الاحتلال، باتوا في حرج شديد. فقد كان بعضهم يبرر هذا الصمت، وهذا التواطؤ، بانه عائد الى الخوف من عودة صدام حسين الى الحكم، لكن بماذا سيبررون الآن موقفهم؟!
المقاومــــة العـــراقية اصبحت ثقافة، مثلـــما اصبحت عقيدة واستراتيجية، وباتت ملتصـــقة بكرامة العراقيــين وشرفهم، وهي قطعــاً لن تختفي باعتقال صـــدام حســــين، فالعـــراق ظل دائما أكبر من الزعماء وشوكة دامية في حلق الغزاة وحلفائهم.
انها مفاصل تاريخية مهمة، بل ربما الأهم في تاريخ هذه الامة، تحوي دروساً عظيمة، لا بد من الاستفادة منها اذا كنا فعلاً نتطلع الى مستقبل اكثر اشراقاً، وابرز هذه الدروس يتلخص في ان العدالة والديمقراطية والمساواة والشفافية والقضاء المستقل، هي مفردات اساسية في اي توجه حقيقي نحو التقدم واستعادة كرامة هذه الامة وامجادها.
عراق المستقبل لن يبنيه من وصلوا على ظهور الدبابات الامريكية، وانما من تمسكوا بهويته العربية الاسلامية الحقة، ورفضوا ان يكونوا ادوات في يد الاحتلال الامريكي ـ الاسرائيلي لبلدهم، وهؤلاء قطعا سيظهرون قريباً ليقودوا العراق الجديد، ويحاسبوا كل من تأمروا عليه، وتعاملوا مع اعدائه.
فمن رفع السلاح ضد الديكتاتورية ووظفه في خدمة الاحتلال الاجنبي لا يجب ان يكون له مكان في هذا العراق الجديد، وتراث سيد الشهداء الحسين بن علي لا يجب ان يلتقي مع بول بريمر تحت مظلة واحدة، أو هكذا نعتقد.
عبد الباري عطوان
15/12/2003
اخيرا، وبعد ثمانية اشهر، نجحت القوات الامريكية، بمساعدة عملائها ومخبريها في اعتقال الرئيس العراقي صدام حسين، في قبو احد منازل مدينة تكريت، مسقط رأسه.
الرئيس الامريكي جورج بوش ظهر مثل الطاووس على شاشات التلفزة محتفلا بهذا الانتصار الكبير، وكذلك فعل حليفه توني بلير رئيس وزراء بريطانيا واعداء الرئيس العراقي الكثر داخل العراق وفي الكويت.
نعم انه انتصار امريكي كبير، ودفعة معنوية مهمة للرئيس بوش وحلفائه، ولكنه قد يكون انتصارا مؤقتا، لان الاحتفالات بسقوط بغداد تبخرت آثارها بسرعة قياسية، بفعل عمليات المقاومة الشرسة التي عمت معظم انحاء العراق.
نعترف ان ظهور الرئيس العراقي بالطريقة التي ظهر عليها، اشعث الشعر، رث الملابس، كانت مهينة للغاية، لانه لم يتوقع احد ان يتم القبض عليه حيّاً، ودون مقاومة، ومختبئاً في حفرة صغيرة قذرة. الارجح ان هناك مسرحية، وعملية تضليل محبوكة بعناية فائقة. فنحن لم نسمع الا الرواية الامريكية، او بالاحرى ما أرادت القيادة العسكرية الامريكية اسماعنا اياه، وعلينا ان ننتظر مزيداً من الوقت حتى يهدأ الغبار وتظهر بعض ملامح الصورة الحقيقية.
كانت صدمة بالنسبة الينا، واهانة لملايين العرب الآخرين، وهم يتابعون اللقطات التلفزيونية للرئيس العراقي وهو يخضع للفحص الطبي الامريكي المهين، فقد كنا نتمنى لو انه قاتل حتى اللحظة الاخيرة، وسقط شهيداً مثل ولديه وحفيده، او اختار نهاية هتلر، باطلاق الرصاص على رأسه، او ابتلاع جرعة سم. فهذا اكرم له، بدلاً من مهانة الاستسلام للقوات الامريكية، ولكننا نكرر، باننا لا نعرف التفاصيل الكاملة، ولم نطلع الا على الرواية الامريكية. ولكن هذا لا يجعلنا نستبعد ان تكون القوات الامريكية استخدمت الغازات او القنابل التي تشل الحركة، وتخدر الاعصـاب اثناء اقتحامها للمكان. مثلما لا نستغرب ان يكون احد الوشاة من المقربين اليه قد خان ضميره واغواه الطمع والجشع ووشى برئيسه السابق، لانه تبين لنا، ان بعض المحيطين بالرئيس العراقي كانوا من الفاسدين، ضعاف النفوس، يعبدون المال والنفوذ ولا يؤمنون بأي قضية غير مصالحهم الشخصية البحتة.
فلو كان صدام حسين يريد الاستسلام بهذه الطريقة لاعترف باسرائيل ولقبل العروض الكثيرة بمغادرة السلطة والعيش كريماً مرفهاً في المنافي، ولكنه اختار ان يقاتل حتى اللحظة الأخيرة، ويقف في وجه الغطرسة الامريكية.
الآن تحرر المقاومون العراقيون من هذه الفزاعة التي اسمها صدام حسين، وتخلصوا من تاريخه الديكتاتوري، وبدأوا يقاومون من أجل العراق، العراق العربي الاسلامي الاصيل، صاحب الرصيد الاكبر من الحضارات والابداع والدفاع عن قضايا الحق والعدالة.
اعتقال الرئيس صدام حسين قد يكون نعمة بالنسبة الى الكثير من العراقيين، خاصة اولئك الذين عانوا من ظلمه وقمعه، ولكنه قد يكون نقمة بالنسبة الى الامريكيين الغزاة حتماً، لان العراقيين، وخاصة اولئك المتواطئين مع الاحتلال، باتوا في حرج شديد. فقد كان بعضهم يبرر هذا الصمت، وهذا التواطؤ، بانه عائد الى الخوف من عودة صدام حسين الى الحكم، لكن بماذا سيبررون الآن موقفهم؟!
المقاومــــة العـــراقية اصبحت ثقافة، مثلـــما اصبحت عقيدة واستراتيجية، وباتت ملتصـــقة بكرامة العراقيــين وشرفهم، وهي قطعــاً لن تختفي باعتقال صـــدام حســــين، فالعـــراق ظل دائما أكبر من الزعماء وشوكة دامية في حلق الغزاة وحلفائهم.
انها مفاصل تاريخية مهمة، بل ربما الأهم في تاريخ هذه الامة، تحوي دروساً عظيمة، لا بد من الاستفادة منها اذا كنا فعلاً نتطلع الى مستقبل اكثر اشراقاً، وابرز هذه الدروس يتلخص في ان العدالة والديمقراطية والمساواة والشفافية والقضاء المستقل، هي مفردات اساسية في اي توجه حقيقي نحو التقدم واستعادة كرامة هذه الامة وامجادها.
عراق المستقبل لن يبنيه من وصلوا على ظهور الدبابات الامريكية، وانما من تمسكوا بهويته العربية الاسلامية الحقة، ورفضوا ان يكونوا ادوات في يد الاحتلال الامريكي ـ الاسرائيلي لبلدهم، وهؤلاء قطعا سيظهرون قريباً ليقودوا العراق الجديد، ويحاسبوا كل من تأمروا عليه، وتعاملوا مع اعدائه.
فمن رفع السلاح ضد الديكتاتورية ووظفه في خدمة الاحتلال الاجنبي لا يجب ان يكون له مكان في هذا العراق الجديد، وتراث سيد الشهداء الحسين بن علي لا يجب ان يلتقي مع بول بريمر تحت مظلة واحدة، أو هكذا نعتقد.