المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستراحات .. منزل ريفي أم ضياع مال وتعب؟


شرواك
21-06-2011, 02:20 PM
الاستراحات .. منزل ريفي أم ضياع مال وتعب؟

في العقود الثلاثة الماضية ظهر نموذج عمراني جديد في أنحاء كثيرة من المملكة، إذ تشكل بسبب الطفرات المتلاحقة التي أخفت العمران القديم بأشكاله كافة، وبدأت البلديات تتحسب لهذا النموذج في المخططات التي تحيط بالمدن والقرى إحاطة السوار بالمعصم، لتضع نهاية النسيج العمراني تلك النماذج المسورة بالخرسانة تمتد بأشكال في غالبها الاستطالة أو التربيع وتبنى الأسوار بالطوب الأسمنتي فهي في شكلها ليست مزرعة، وأيضا هي ليست منزلا ريفيا، وهي أيضا في بعدها ليست بالقدر الذي يسافر إليه ولا هي قريبة جدا لتلاصق المنزل، فهو نمط جديد ظل ينتشر في محيط المدن والقرى بشكل متنام، وربما أصبح متعارفا في التخطيط العمراني الجديد أن تلك الأراضي الشاسعة حول المدن تعرف بأنها مخططات استراحات، ويبدأ الناس في بناء الأسوار وصب الخرسانة في أجزاء متفرقة منها إلى أن يطولها العمران فتهدم وتزال.

والسؤال هنا: لماذا تبنى الاستراحات؟ وربما السؤال الأهم: لماذا نذهب إلى الاستراحات؟ هل هربا من الخرسانة والمنازل والأسفلت؟ هل للسباحة واللهو في محيط واسع أكثر اتساعا من المنزل؟ هل للولائم الكبيرة وربما الأعراس التي لا يتسع المنزل لها؟ وتتكرر الاستراحات والتجارب فيها والإجابة غير واضحة لهذا التساؤل، ولأن الإجابة غير واضحة لتلك الأسئلة لهذا تستمع إلى كثير من القصص الذي تكون فيه الاستراحات بداية عبث شخصي يصرف عليه مبالغ جمة بغية تحقيق كثير من تلك الإجابات وتزرع فيها الأشجار والساحات الخضراء، وربما تفنن البعض بفنون مختلفة، حيث شاهدت في إحداها أشجارا خرسانية زرعت وتكسى بلون خشبي ليصبح شكلها مع أي خدش مضحكا، حيث إن الاستراحة غدت مسرحا لفنون العمالة الهاربة تشاهد الأعاجيب فيها دون تذوق لفن معروف أو تنسيق رائع وتصبح نزيفا لا يتوقف، حيث الصيانة تتطلب مبالغ كبيرة طوال السنة، ثم تتحول من مشروع شخصي إلى مشروع تجاري غير مخطط له، ومن ثم تبدأ عملية التأجير وأخذ التراخيص اللازمة لتلك الاستراحة، وأن تلك المشاريع كما أسلفت لم يخطط لها تتدهور حالتها بشكل سريع، حيث فقدان الصيانة الدورية والعناية بها، ومن ثم يتم عرضها للبيع بثمن بخس.

والمشكلة التي يعانيها كثير من الاستراحات هي غياب تام لاشتراطات السلامة والأمان لمعظم عناصرها، خصوصا المسابح، وكم تسمع حوادث مؤسفة تقع في تلك الاستراحات تدلل على الغياب الخطر للمعايير المفترض وجودها في هذه المنشآت.

وهنا نذكر فقط جانب استخدام الاستراحة من قبل الأسرة وأثرها وتأثيرها، وإلا فهناك جوانب أخرى لها تأثير سيئ أيضا في التجمعات الشبابية التي يغيب فيها الرقيب عند أطراف المدن.

والحقيقة أن هذا التوجه يحتاج إلى كثير من التأمل قبل أن تبدأ هذه المشروعات، إذ لو حوى الحي منشأة فيها صالة متعددة الأغراض وناديا مصغرا يحوي الألعاب ومسبحا رياضيا، وأحيط بشجر ونخل ربما لما احتاج المرء إلى أن يذهب إلى تلك الاستراحات مطلقا، ولأمكن استثمار تلك الأموال في صناعة أو تقنية أو غيرها بدل أن تذهب أدراج الرياح في بناية يعرف مصيرها لاحقا، وكثير ممن بدأ تلك المشروعات يقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما بدأت مشوار التعب واسترحت من تلك الاستراحة ولم أتعب في ملاحقة مزارع أو عامل بناء أو نفق المصروفات الذي لا نهاية له.

وإن وضع مخططات لهذه المشروعات تأكيد لهذا العبث الذي سوف تنطلق منه مسابقة محمومة لتنسيق مواقع وحدائق خرسانية تبدأ بالأسوار وتنتهي بشلال، ودون رقيب أو أدنى سؤال عن معرفة الأسس التي تنسق بها الحدائق أو تبنى بها المنازل الريفية، ثم يأتي السؤال الأخير: وش رأيك بالتنسيق؟ فمتى نفيق؟

م. حمد اللحيدان