المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محنة الإمام ابن حِبَّان


عزمي1
17-09-2008, 11:48 AM
مفكرة الإسلام: خلال دراستنا التاريخية لأحداث وفعاليات المحن والابتلاءات التي تعرض لها علماء الأمة وجدنا أن غالبية هذه المحن كانت بسبب الحسد والتعصب المذهبي، أو بسبب فتوى أو قول أو رأي قال به العالم المبتلى، أو بسبب الثبات على الحق والجهر به والتصدي للظلم والظلمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهكذا، ولكن أن يبتلى العالم ويمتحن امتحانًا شديدًا ويكفر ويهدر دمه بسبب كلمة قالها لم يرد بها إلا الخير والحق!!! فهذه حقًا تعتبر من أعجب المحن، وهو عين ما جرى للإمام ابن حبان البستي

محنته:

تعتبر المحنة التي تعرض لها الإمام ابن حبان وكادت تودي بحياته وتقضي على تراثه وعلمه من أعجب المحن والفتن التي يتعرض لها أحد من أهل العلم، وتدل على مدى خطورة الجهل بمعاني الألفاظ ومدلولاتها، وأيضًا تدل على مدى خطورة تحميل الألفاظ والأقوال من أوجه الكلام ما لا تحتمله ولا يتفق مع دين وعقيدة ومكانة قائلها، ويحضرنا عند الحديث عن محنة ابن حبان العجيبة مقولة الإمام مالك الشهيرة: [إذا قال الرجل قولاً يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجهًا والإيمان من وجه واحد حملناها على الإيمان] لأنها تكاد تنطبق على هذه المحنة الغريبة.
ومفاد الحادثة أن الإمام ابن حبان أثناء إلقائه لأحد الدروس في نيسابور سئل عن النبوة فقال: النبوة "العلم والعمل"، وكان يحضر مجلسه بعض الوعاظ فقام إليه واتهمه بالزندقة والقول بأن النبوة مكتسبة، وارتفعت الأصوات في المجلس وهاج الناس بين مؤيد للتهمة ونافٍ لها، وخاضوا في هذا الخبر على كل وجه، حتى كتب خصوم ابن حبان محضرًا بالواقعة وحكموا عليه فيه بالزندقة ومنعوا الناس من الجلوس إليه، وهُجر الرجل بشدة، وبالغوا في أذية ابن حبان وتمادوا في ذلك حتى كتبوا في أمر قتله وهدر دمه إلى الخليفة العباسي وقتها، فكتب بالتحري عن الأمر وقتله إن ثبتت عليه التهمة، وبعد أخذ ورد اتضحت براءة ابن حبان ولكنهم أجبروه على الخروج من نيسابور إلى سجستان. وهناك وجد أن الشائعات تطارده والتهمة ما زالت تلاحقه. وتصدى له أحد الوعاظ هناك واسه يحيى بن عمار وظل يؤلب عليه حتى خرج من سجستان وعاد إلى بلده "بست"، وظل بها حتى مات رحمه الله مهمومًا محزونًا من الأباطيل وتهم الزندقة والإلحاد.

ولكن هل مجرد كلمة واحدة تجلب على هذا العلم الفذ كل هذه المتاعب؟ ونحن نقول إن هذه الكلمة وأمثالها قد تفعل مثل ذلك وزيادة إذا ألقيت على أسماع من لا يفهم معاني اللغة ومدلولاتها، وأيضًا إذا ألقيت على أسماع الحاسدين والموتورين الذين يتربصون بأمثال هذا العالم العلامة الدوائر، وينتظرون أي مناسبة وفرصة ولو بشطر كلمة للنيل منه.

فإن كلمة: النبوة العلم والعمل، يقولها المسلم ويقولها الزنديق، يقولها المسلم ويقصد بها مهم النبوة، إذ من أكمل صفات النبي العلم والعمل، فما من نبي قط إلا وهو على أكمل حال من العلم والعمل، وليس كل من برز فيهما نبيًا؛ لأن النبوة محض اصطفاء من الله عز وجل، لا حيلة للعبد في نيلها ولا اكتسابها، وابن حبان لم يرد حصر المبتدأ في الخبر، وذلك نظير قوله صلى الله عليه وسلم: ((الحج عرفة)) ومعلوم أن عرفة هو ركن الحج الأعظم، ولكن لا يكفي وحده حتى يصير العبد حاجًا، بل هناك أركان وفروض أخرى لشعيرة الحج، ولكن عرفة هو مهم الحج، كما أن العلم والعمل مهم النبوة وهذا ما قصده وأراده ابن حبان، وهذا ما يجب أن يحمل كلامه عليه وهذا اللائق بمكانته وعلمه، وأيضًا اللائق بخلق المسلم الصادق الذي يحسن الظن بإخوانه المسلمين.

وأيضًا هذه الكلمة يقولها الفيلسوف الزنديق وهو يقصد بها أن النبوة مكتسبة ينتجها العلم والعمل وكثرة الرياضات والمجاهدات، وهذا كفر مخالف للقرآن والسنة وإجماع المسلمين، وهذا ما لا يريده ابن حبان ولا يقصده أبدًا وحاشاه، فهو من كبار علماء الأمة وأئمتها، ولكن الجهل والحقد والحسد أعمى قلوب معارضيه حتى خاضوا فيه وأجبروه على الرحيل من مكان لآخر حتى استقر في بلده وبها مات، وما أشبه هذه الحادثة بما جرى للبخاري.

فرحم الله الرجلين وأجزل لهما المثوبة وجعل من أبناء الأمة من يذبون عن أعراضهم ويدفعون عنهم الأباطيل والأكاذيب ويكشفون بطلان تهم خصومهم، ويعرفون أبناء المسلمين حقيقة علماء هذا الدين.

http://www.islammemo.cc/2008/09/07/69172.html