المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سوق الأسهم بين الطمع والخوف


المخرج
03-09-2005, 09:23 AM
سوق الأسهم بين الطمع والخوف
http://www.alriyadh.com/img/writers/file273.gif





والأصل أن الخوف أقوى من الطمع، كغريزة من غرائز الإنسان..

ولكن الطمع كثيراً ما يتغلب على الخوف إذا أمدته الطفرة بالوقود، وهونت عليه الأمور، وزينت له المستقبل، ورأى بأم عينيه الأسهم ترتفع أمامه كل يوم، هنا يتغلب الطمع على الخوف في أعماق الإنسان، وإن كان الخوف قابعاً متوثباً للخروج كوحش مسجون بحبال رقيقة.

ومما يزكي الطمع ويزيده في نفس الإنسان أن تطرح الشركات الجديدة للاكتتاب بعلاوة اصدار كبيرة، وكبيرة جداً أحياناً..

هنا يسترخص الأسهم المطروحة في السوق الثانوية، هنا يتدافع الناس على شرائها ورفعها إلى أسعار عالية لاتستحقها، لا يرفعونها بناء على أرباحها، ولا ينظرون لمكرر أسعارها، بل يقارنون سعرها في الشاشة مع سعر الشركة الجديدة المطروحة للاكتتاب بعلاوة اصدار كبيرة، وكبيرة جداً في بعض الأحيان، يَبْنُون على هذا، وهو بناءٌ غير صحيح، فما بُني على باطل فهو باطل..

إن هناك الآن المئات من الشركات العائلية التي تنتظر دورها لطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام، تمهيداً لإدخالها في البورصة بكاملها، ونأمل من هيئة سوق المال الموقرة أن تكون دقيقة جداً في دراسة تلك الشركات، وتقييمها قبل طرحها للجمهور، بحيث لا تطرح بعلاوات إصدار مبالغ فيها، ولا يترك الأمر - أو بعض الأمر - لاصحابها يقترحون علاوة الإصدار المطلوبة، فإن كل صاحب شركة أو مؤسسة عائلية يود طرحها بأعلى الأسعار، لأنه هو الرابح في الأول والأخير، والناس لا يتركون لضمائرهم - مع وجود ناس لديهم ضمائر حية - ولكنهم - في عالم المال - قلّة.. عالم المال كعالم الحرب.، وبعضهم يجيز فيه الخدعة كما تجوز في الحرب.. وهو أمر غير صحيح.. وحتى القضاة لا يتركون لضمائرهم في الشرع المطهر، بل لابد من وجود الأدلة الراسخة المقنعة..

والأدلة الراسخة المقنعة في سوق المال هي (الربحية) على مدى سنوات طويلة (10 سنوات على الأقل - بحيث لاتقيم الشركة الجديدة بناء على ربحية السنة الأخيرة السابقة للطرح، فإن بعض أصحاب الشركات العائلية (يلمعون) ميزانية الشركة الأخيرة، ويضخمون أرباحها بكل وسيلة، ليبرروا طرحها بعلاوة اصدار كبيرة، كما يقومون بالمغالاة في تقييم أصولها، واستخدام قياسات محاسبية لصالحهم هم فقط..

ولكن هذه الحيلة (لا تنطلي) على (جهة التقييم) إذا كانت محائدة وذات خبرة وقدرة على كشف المستور، وطلبت ميزانيات الشركة لعشر سنوات ماضية - على الأقل - أو منذ تأسيسها - وهو الأفضل - وقيّمت أصولها تقييماً دقيقاً عادلاً، هنا تتقرر لها علاوة الإصدار العادلة، والتي لا ضرر فيها ولا ضرار، ويتم طرحها للجمهور بسعر عادل..

إن هذا الأمر يحتاج لمقال مستقل فهو هام جداً، ونأمل من أساتذة الاقتصاد والمحاسبة - وفي مقدمتهم عبقري المحاسبة الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الحميد - طرقه كثيراً والتأكيد عليه وتوعية الجمهور نحوه، وتنبيه الجهات المسؤولة عنه، لأننا مقدمون على طرح الكثير من الشركات العائلية للاكتتاب العام..

إن تطُّرقنا العرضي لهذا الموضوع الحيوي له علاقة بما نتحدث عنه من تأثير الطمع والخوف في سوق الأسهم، فإن طرح الشركات الجديدة للاكتتاب بعلاوات اصدار مبالغ فيها، يشعل نيران الطمع في صدور المتداولين، ويجعلهم يرفعون الشركات المماثلة - والمتداولة أسهمها - بشكل غير سليم، ونتيجة هذا - في الأخير - ما لا تحمد عقباه على الجميع، وخاصة على صغار المستثمرين، وعلى غير الواعين، فإن هذه الأسهم المغالى في قيمتها يشتريها أحدهم أملاً في أن يشتريها آخر منه بسعر أعلى، حتى تقع في يد (الأحمق الأكبر) الذي لا يوجد من هو أحمق منه حتى يشتري منه برأس المال فضلاً عن الربح..

وفوق أن طرح الشركات العائلية بعلاوات اصدار مرتفعة يرفع الأسهم المماثلة على غير أساس، فانه يظلم المكتتبين والمتداولين، حيث يدفعون أكثر مما يجب ومايستحق سهم الشركة..

٭ ٭ ٭

سألت صديقاً من كبار المضاربين في سوق الأسهم:

على أي أساس تبيع وتشتري؟

فقال:

- اشتري من الخائفين وأبيع على الطامعين..

قلت:

- والأسس الكلاسكية الجوهرية في تقييم الأسهم، مثل مكرر الأرباح والقيمة الدفترية؟

قال:

- تركناها من زمان!.. نحن في زمان الطفرة!.. وفي الطفرة تضيع المقاييس.. وكثيراً ما تتحول الصالات إلى ما يشبه كازينوهات القمار..!

٭ ٭ ٭

حدث في سوقنا - أكثر من مرة - أن نزلت عدة شركات دفعة واحدة إلى النسبة الدنيا، واقفلت حمراء، وعروضها كثيرة، وفي الغد - وليس بعد شهر - أقفلت خضراء: طلبات بلا عروض!

والشركات هي نفسها الشركات، والأمور لم يتغير فيها شيء ولكن الذي حدث بالأمس هو غلبة عنصر الخوف فباع الناس على النسب وعرضوا، وفي اليوم التالي تغلب الطمع على الخوف فاشتروا بكثافة وطلبوا على النسب.. لم يتغير أي شيء لا في الشركات ولا في الاقتصاد ولا في الاحداث.. تغيرت «الناحية النفسية» للمتداولين فقط.. حين النزول إلى الخطوط الحمراء يبرز الخوف ويغلب.. وحين الارتفاع إلى الخطوط الخضراء يغلب الطمع ويطغى..

٭ ٭ ٭

ويقولون:

(إن أسواق الأسهم مرآة للاقتصاد) وهذا صحيح، ولكنها مرآة تعكس المستقبل لا الحاضر فقط، والمستقبل - مهما بدت مؤشراته وملامحه - يظل طبعاً في حكم المجهول، لا أحد يدري ماذا يستجد من الأمور، ولكن كل سوق من أسواق الأسهم في العالم له (مرآته الخاصة) التي تعكس اقتصاده، فبعض المرايا تضخم رؤية المستقبل بشكل كبير، فيتضخم معها الطمع، وبعض المرايا تجعله أصغر مما يجب، وبعض المرايا تعكسه بما يقرب من واقعه..

ويعود الاختلاف في هذا إلى اختلاف الوعي قوة وضعفاً، وإلى توافر المعلومات الدقيقة والكثيرة وفرة أو ندرة، واخلاص المحللين وصدقهم مع الناس بدل تملقهم..

وأعتقد - شخصياً - أن سوق الأسهم لدينا يستخدم مرآة مكبرة يستبق بها نتائج الشركات وأرباحها، ويبالغ فيها، بل إن بعض تلك الشركات ربحها زهيد وسعرها كبير، وبعضها لا تربح أصلاً وسعرها مبالغ فيه، ومما ساعد على هذا قلة الوعي وقلة المعلومات وندرة المحللين الموضوعيين وطرح الشركات الجديدة بعلاوات اصدار مبالغ فيها، وندرة فرص الاستثمار الاخرى أو تعقيدها، كالاستثمار العقاري وما يحدث بين المستأجرين والملاك من مشكلات لم تقَنَّن كما يجب بعد، وما يحيط بالمساهمات العقارية من مشاكل كالليل المظلم..

٭ ٭ ٭

إننا نريد أن تكون سوق الأسهم في بلادنا متينة وواقعية وعميقة بحيث لا يتحكم في أسهم بعض الشركات مضارب أو اثنان، كما هو حاصل الآن. ولن يتم هذا إلا بطرح شركات جديدة كبيرة (وأولها مصارف جديدة تكسر احتكار البنوك المخيف) بحيث يتعمق السوق وتتسع قاعدته ويستعصي على الاعيب المضاربين الكبار..

٭ ٭ ٭

وكلمة أخيرة لهيئة سوق المال - والتي لاتزال حديثة عهد فلا تُلام كثيراً - لماذا لا يلزم المضارب الذي ينوي الاستيلاء على 5٪ أو أكثر في شركة ما بالإعلان عن ذلك مقدماً لا بعد أن يستولي فعلاً كما هو حاصل الآن فما فائدة هذا سوى اشعال فتيل المضاربة وجنون الطمع؟

كما نعود نكرر ما اقترحناه سابقاً من منع أي اعلانات أثناء التداول لانها تحدث (صدمة) ولا تعطي فرصة للتفكير.. الوقت واسع قبل التداول وبعده وهو وقت الاعلانات بالفعل..

٭ ٭ ٭ إن سوق الأسهم لدينا الآن (يفحّط) تقريباً.. يدور حول نفسه.. يشتري فلان ويبيع على فلان والعكس.. وتشتري الشركات المساهمة في الشركات الأخرى.. والعكس.. الطمع هو السيد.. وهو بنزين التفحيط.. ولا إنتاج هنا ولا إضافة حقيقية للاقتصاد.. المطلوب طرح شركات جديدة بقيمة اسمية (50 ريالاً) في قطاع المصارف والأسمنت والصناعة لكسر الاحتكار وتوجيه السيولة للقطاعات المنتجية وتنمية مدخرات المواطنين وامتصاصها بما يفيدهم ويفيد اقتصاد وطنهم ومستقبل اولادهم ، هنا نسير في طريق مستقيم طويل يوصل إلى التنمية الحقيقية بدل (التفحيط) في مكاننا حيث تكثر الحوادث الخطيرة..