المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحكام فقهية في المساهمات العقارية (1)


ابوفهد
17-05-2005, 02:29 PM
كتبها الأستاذ : يوسف الفراج

يحتاج المتعاملون في الأسواق التجارية، بل يجب عليهم معرفة الأحكام الفقهية لتعاملاتهم، وليس ذلك لأجل البعد عن التعاملات غير المشروعة فحسب، بل لأجل معرفة ما لهم وما عليهم، والتعرف على مراكزهم القانونية والتي تكفل لهم الكثير من الضمانات، وتقيهم مغبة الوقوع في الحيل القانونية في عقود بعض المساهمات، والتي تصاغ - للأسف الشديد - بحرفية ومهنية عالية من قبل لصوص العقود.

ومن هذه التعاملات: المساهمات العقارية التي يحتاج أصحابها إلى التعرف على الأحكام الفقهية والنظامية لها، بل أجزم أنهم من أهم الفئات المعنية بهذا الأمر، وذلك لاتساع الشريحة المعنية ولكثرة هذه المساهمات وبالذات في الآونة الأخيرة، والتي من أسبابها ضعف وهشاشة الضوابط النظامية لها، مما يحتم الحذر من هذه التعاملات والاحتياط فيها.
تشتمل المساهمات العقارية على العديد من المسائل والإجراءات والعقود وسوف أتعرض إلى بعضها في هذه الزاوية - إن شاء الله-، وأبدأ بأهمها من جهة كثرة المحتاجين لها، وهي العقود بين صاحب المساهمة ''التاجر'' والمساهمين حيث يدفع المساهم للتاجر المال مساهمة منه ليقوم التاجر باستثماره في العقار، ويكون الربح بينهما حسب ما يتفقان عليه، وتسمى هذه العقود عقود المضاربة أو القراض - لا القرض -، وهي جائزة بالإجماع، واشترط الفقهاء لها عدة شروط، ومنها:

- أن تكون المضاربة في الأمور المباحة،
- أن يكون المال معلوماً بوصفه ومقداره،
- أن يكون الربح كذلك جزءاً معلوماً مشاعاً: كالربع، والنصف،
- لا يجوز تحديده بمبلغ معين كألف أو ألفين ونحو ذلك.

هذا هو التكييف الفقهي لهذه المساهمات، وتأسيسا عليه فالتاجر في هذه العقود يعبر عنه في الفقه بـ ''الأمين''، فلا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط، ومن صور ذلك: أن يقوم باختلاس الأموال بصورة صريحة، أو أن يقوم بتشغيل الأموال في غير ما اتفق عليه، أو ثبت ما يدل على تفريطه في إدارة التجارة. أما إذا لم يستطع المساهم إثبات ذلك فالعبرة بقول التاجر مع يمينه كما هي القاعدة الشرعية، فيما لو ادعى خسارة التجارة مثلا، ولا بد هنا من أن يعي الجميع هذه المسألة، ولا يكفي مجرد السمعة السيئة لهذه المساهمات لاستحقاق مبلغ المساهمة، وموجب ذلك: ما هو معلوم من وجود عدد من هذه القضايا منظورة أمام القضاء، فلا يلزم أن يحكم للمساهم باستحقاقه للمبلغ المدفوع، فضلا عن أرباحه ما لم يثبت التعدي أو التفريط، كما أشرت إليه، ويكون ذلك بوسائل الإثبات المعروفة.

كما أنه مما يلزم التنبيه عليه أن القضاء لا يستدل بمجرد سجن صاحب المساهمة على حصول التعدي أو التفريط منه الموجب للإلزام القضائي، لأنه قد يوقف أو يسجن لسبب آخر، بل قد يكون السجن أصلا فيه تجاوزا للأنظمة. وهل يجوز الرجوع في هذه الصورة على الآمر بالسجن بما حصل من ضرر؟ تبحث في مقال لاحق - إن شاء الله -.

قد يفاجأ البعض بهذا الطرح في مثل هذا الوقت الذي يحتاج فيه المساهمون إلى من يرفع من معنوياتهم ويؤملهم بعودة أموالهم، وقد يقرأ فيه البعض انتصارا للمتلاعبين من أصحاب المساهمات، ولا أظن أني بحاجة لدفع هذه التهمة لأني تحدثت في أكثر من مقال ومقابلة تلفزيونية عن الأوضاع السيئة لهذه السوق، إن على مستوى الضوابط أو على تطبيقها، كما لا يصح أن نمارس أسلوب التخدير للناس والوعود غير الصحيحة، بل يجب أن تبين القواعد الفقهية والقضائية الحاكمة لهذه التعاملات، لئلا يصابوا بخيبة أمل مرة أخرى. ومن نافلة القول أن أشير إلى أنه لا يصح إسقاط هذا المقال على واقعة بعينها، بل هو كلام عام في التكييف الفقهي والقضائي لهذه المساهمات، والله من وراء القصد.